مجلة البحوث والدراسات
Volume 1, Numéro 1, Pages 155-178
2004-04-01
الكاتب : أحمد جلايلي .
إن تجربتنا القصيرة في تحقيق النصوص المخطوطة واهتماماتنا بالتراث العربي،وكذا رغبة الكثير من الباحثين المبتدئين، وبخاصة الطلبة الجامعيين غلى معرفة علم التحقيق ومنهجه دفعتني إلى التعريف بهذا العلم،وتوضيح أهم المراحل والخطوات التي ينتهجها الباحث المحقق. وتحقيق النصوص ليس وليد العصر الحديث،بل يعود تاريخه إلى عصر الحضارة الإسلامية وازدهار العلوم العربية، حيث أدرك كثير من علمائنا السابقين أهمية هذا العمل، وقد عبر بعضهم عن صعوبة إعادة النص إلى أصله و تقويمه، كما ذكر ذلك الجاحظ في كتابه « الحيوان »( ) وابن الصلاح في عرضه لقواعد مقابلة النسخة بغيرها لتوثيق النص( ) وجلال الدين السيوطي في معرفة طرق أخذ اللغة والتحمل( ). وإذا كان علماء العرب من فقهاء ونحاة على وجه الخصوص قد عرفوا كثيرا من هذه المصطلحات، فإنهم لم يضبطوا للتحقيق قواعد معينة ثابتة، بل كانت أعمالهم تسير وفق اجتهاداتهم وتجاربهم الفردية. ولم يعرف هذا العلم سمة العلمية إلا في العصر الحديث مع ظهور المطابع العربية، حيث وضعت له خطوات معينه، وأسست له قواعد جعلته يرقى إلى درجة العلم ذي المنهج المتميز وتخصص فيه باحثون مستشرقون و عرب( ). فالمستشرقون الألمان أول من كانت لهم ميزة السبق في المؤلفات التي اختصت بتوضيح قواعد التحقيق، وأصول النشر، إذ قدم برجستراسر عام 1931 محاضرات ألقاها على طلبة الماجستيـر بقسم اللغـة العربية في كلية الآداب بجامعة القاهرة ونشرت بعنوان: "أصول نقد النصوص ونشر الكتب". وتحدث من العرب محمد مندور عن قواعد نشر النصوص الكلاسيكية في نقده لكتاب "قوانين الدواوين" لابن مماتي، في مجلة الثقافة بالقاهرة سنة 1944، وألف أيضا عبد السلام محمد هارون كتابه "تحقيق النصوص ونشرها "سنة 1954، وألف صلاح الدين المُنَجِّد كتابا أسماه: « قواعد تحقيق المخطوطات » سنة 1955. وجاء بعد هؤلاء علماء آخرون كانت لهم اليد الطولى في هذا العلم منهم: بشار عواد معروف، له كتاب عنوانه: "ضبط النص والتعليق عليه" له طبعة سنة 1982، ومطاع الطربيشي له كتاب:« في منهج تحقيق المخطوطات » له طبعة سنة1983، وحسين محمد سليمان، له كتاب أسماه: " التراث العربي الإسلامي" تحدث فيه عن التعريف بالتراث، وتحدث عن الفهرسة وعن التحقيق والإحياء، حيث عرف التحقيق لغة واصطلاحا، وبين نوع الورق المستعمل عند العرب قديما،كما تحدث عن الخزائن،والنسخ والنساخ، وعن كل ما يتصل بالكتابة والكتاب. ومن علمائنا الجزائريين الذين قدموا أعمالا في هذا الميدان: أبو القاسم سعد الله، ومختار بوعناني، ويحى بوعزيز وعبد الله حمادي، وغيرهم كثير لا يسعني المقام لذكرهم جميعا. ونظرا لأهمية هذا العلم اهتمت به جامعات العالم،وأعدت له مقررات خاصة، وأساتذة أكفاء، نرجو أن تسير جامعات الجزائر على نهجهم وتعيد له الاعتبار، في المحافل العلمية لنعيد مجد ماضينا، ونكشف عن جهود علمائنا في الفكر والحضارة. كما نرجو أن يكون عملي هذا لبنة من لبنات علمائنا في بناء ثقافة الأمة وتاريخها، وأن يكون نبراسا لطلبتنا في الجامعات الجزائرية. ولقد اعتمدت في تحديد المفاهيم، وتوضيح منهج التحقيق على جملة من المؤلفات التي تعد من المصادر والمراجع ذات الأهمية ومنها: "أصول نقد النصوص ونشر الكتب"لبرجستراسر، و"تحقيق النصوص ونشرها " لعبد السلام هارون، و"قواعد تحقيق المخطوطات" لصلاح الدين المنجد "والتراث العربي الإسلامي" لحسين محمـد سليمان وغيرها من الكتب المسجلة في الهوامش. كما أننا رتبنا هذه المفاهيم وخطوات المنهج ترتيبا عمليا، أي:حسب خطورة المصطلح وأهميته عند ضبط النص،ولم نشر إلى جميع المشكلات والعثرات التي تعترض الباحث أثناء ضبط النص، كما لم نضرب أمثلة أو نماذج من كتاب محقق، فالإحاطة بالموضوع تحتاج إلى مؤلف مطول يجمع الشاردة والواردة، فما لم نشر إليه نراه يكتسب بالتجربة ومعاينة المخطوط.
مخطوطات - مفهوم - منهج.
بلحاجي فتيحة
.
ص 64-77.