مجلة الاستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية
Volume 3, Numéro 2, Pages 512-530
2018-06-20
الكاتب : رشيد واضح .
لقد ارتبطت نشأة النقابة في الجزائر بميلاد الحرية النقابية في فرنسا على إثر الاعتراف بها بعد إلغاء العمل بنظام الطوائف المهنية. اُعتُرف فيها للعمّال الفرنسيين بحق الإضراب دون الاعتراف لهم بالحق النقابي إلى غاية صدور قانون Waldeck Rousseau بتاريخ 22 مارس 1884، الذي سمح فيما بعد بتشكيل نقابات للعمّال ولأصحاب العمل بكلّ حرية وبكل استقلالية. لكــن العمّال الجزائريين كانوا محرومين من هذا الحق إلى درجة إلغاء نظام"الأمانات" (وهي نقابات حرفية موروثة عن العهد التركي) منذ سنة 1868 ليقتصر ظهور العمل النقابي في الجزائر على العمّال الأوربيين فقط. وفي سنة 1939 أصدرت الحكومة الفرنسية مرسومًا يمنع نشاط الكنفدرالية العامّة للشغل بالجزائر، إلى غاية سنة 1952 خلال أشغال اللجنة المركزية للحزب، حيث تمّ إدراج القضية النقابية ضمن جدول الأعمال، أسفرت عن تكوين نقابة خاصة بالعمّال الجزائريين تحت إشراف النقابي عيسات إيدير، ليتم رسميًا تأسيس الاتحاد العام للنقابات الجزائرية في شهر جوان 1954 بمناسبة انعقاد الندوة الخامسة للكنفدرالية العامّة للشغل والنقابات الجزائرية التابعة لها قبل حلّها، ليتمّ فيما بعد الإعلان عن تأسيس الاتحاد العام للعمّال الجزائريين في 24 فيفري 1956. هــذه الحركة النقابية الجزائرية الأُحادية غلب عليها الدور السياسي والنقابي لأنّها كانت تُعتبَر جــزءً من النظام، اكتسبت شرعية وجودها من مساهمتها في الثورة التحريرية، وتأكّد لها هذا الحق النقابي بصورة رسمية بموجب الاتفاق المؤرّخ في 20 ديسمبر 1962 بين الاتحاد والحزب. لقد كان اختيار الأُحادية النقابية في الجزائــر في فترة سابقة أمرًا فرضتهُ المسيرة التاريخية للاتحاد العام للعمّال الجزائريين الذي كان نقابة جبهة التحرير الوطني آنذاك. غير أنّه وبسبب التحولات التي شهدتها دول العالم عن طريق التحوّل نحو نظام اقتصاد السوق، تمّ فيه تكريس وتجسيد هامش معتبر من الديمقراطيات مع الحريات والحقوق خاصةً الحرية النقابية، مع تبنّي حرية الانتماء وحرية إنشاء نقابات وإقرار الاعتراف بالتعدّدية النقابية، تمّ على إثرها الانتقال من الديمقراطية الاقتصادية إلى الديمقراطية السياسية استجابةً للمواثيق الدولية، عن طريق رفع القيود عن الحريات العامّة بما فيها حرية الحق النقابي. هذا التغيير أدّى مباشرةً إلى إحداث تحوّلات على المستوى الدّاخلي تمخّض عنها التعديل الجزئي للدستور الذي مهّد لإقــرار التعدّدية السياسية، وفتح المجال أمام الحريات العامّة والانفتاح على التعدّدية النقابية استجابةً للمعايير الدولية التي أقرّتها الهيئات الدولية في مواثيقها وتوصياتها، تمّ على إثرها إسهام وإشراك التنظيمات النقابية في تسيير مختلف المؤسسات الاقتصادية مع اعتماد مختلف الآليات التي تمكّن الشُركاء الاجتماعيين من وضع نصوص وأحكام تنظّم عالم الشغل والعلاقات المهنية في المهنة أو في قطاع النشاط. ونتيجةً لذلك فقد تكرّس رسميًا الاعتراف بالحق النقابي بصدور دستور 1989 في المادة 53 منه، ليتقرّر فيما بعد الاعتراف بالحرية النقابية بصدور القانون رقم 90-14 المتعلّق بكيفيات ممارسة حق الإضراب والذي طرح نموذجًا جديدًا للممارسة النقابية، يسعى إلى تحويل النقابة إلى فضاء للضبــــط الاجتماعي، وفسح المجال أمام التعدّدية النقابية باعتماد معيار المنظّمات النقابية الأكثر تمثيلاً، ليجعل من التعدّدية النقابية معيارًا مميزًا لممارسة الحرية النقابية. وعليــه يُعتبر القانون رقم 90-14 الصادر بتاريخ 02 جويلية 1990 المتعلّق بكيفيات ممارسة الحق النقابي أوّل قانون نقابي تعدّدي في الجزائر، يسمح للعمّال وللموظَّفين على حدّ سواء بتأسيس عدّة نقابات والعمل بمعيار النقابة الأكثر تمثيلاً اعترافًا من المشرّع لاعتبار النقابة من الأطراف الأساسية الفاعلة في رسم السياسة الاقتصادية في الدولة باعتبارها شريكًا اجتماعيًا فاعلاً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. في الدول. فأدّى كلّ ذلك إلى ظهور علاقة جديدة بين النقابات والحكومة مبني على أساس التكافؤ والتوازن، تمكّنت به النقابة من إثبات وجودها كشريك اجتماعي لا يمكن الاستغناء عنه، نظرًا للدور الذي تلعبه في إرساء قواعد الاستقرار في عالم الشغل وتحقيق السِّلم الاجتماعي، عن طريق مساهمتها في إعداد المخطّطات الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فتتفاوض في الاتفاقيات والاتفاقات الجماعية، تُمثّل مجالس إدارة هيئات الضمان الاجتماعي، وتُمثَّل في المجالس المتساوية الأعضاء في الوظيفة العمومية، وفي اللّجنة الوطنية للتحكيم، ليتمّ بذلك تكريس المعايير الدولية في اعتماد وتبنّي الحرية النقابية لتعزيز آليات المشاورات الناجعة والفعّالة بين السلطات العامّة ومنظّمات العمال مع منظّمات أصحاب العمل، مع ضرورة التنسيق فيما بينها. وهــو ما يُترجمه العدد الهائل من الاتفاقيات والاتفاقات الجماعية المبرمة في مختلف قطاعات النشاط للتأكيد على الدور الفعّال الذي تلعبه التعدّدية النقابية في الارتقاء بالتفاوض الجماعي، لفرض المصادر التفاوضية التي سمحت للقانون الاتفاقي بمنافسة القانون الرسمي، على أساس أنّ ضبــط وتنظيم علاقات العمل من طرف المعنيين أنفسهم يكون أكثر فعّاليةً من تنظيم الدولة لها، بما يسمح بمواجهة تراجع الدولة من مجال علاقات العمل، و يضمن تحقيق مكاسب ومزايا أحسن من تلك المقرّرة في نصوص قانونية.
الحق النقابي ، الأحادية النقابية ، التعددية النقابية .
الربيعي أ.د سعدون أحمد علي
.
البديري م.م محمد رزاق عيدان
.
ص 106-128.
حمدي شهرزاد
.
عامر إيمان
.
ص 926-942.