مجلة الشهاب
Volume 3, Numéro 4, Pages 131-162
2018-04-14

مشروعية الجراحة التجميلية في الشريعة الإسلامية

الكاتب : عيسوس فريد .

الملخص

[] [] الجمهوريـــة الجزائريـــة الديمقراطيـــة الشعبيـــة [] [] 0 0 0 مقـــال للنشـــر بعنـــوان من إعـــداد الأستـــاذ : عيســـوس فريـــد أستـــاذ مساعـــد " أ " بكليــة الحقـــوق و العلـــوم االسياسيـــة – قســــــم الحقـــوق جامعـــة العربـــي بـــن مهيـــدي – أم البواقـــي [] جويليـــة – 2017 [] السيـــرة الذاتيـــة لصـــاحب المقـــال • الاسم : فريد . • اللقب : عيسوس . • تاريخ و مكان الازدياد : 22 / أكتوبر / 1962 . بالميلية ولاية جيجل . • العنوان الشخصي : عمارة المعلمين حي الشهداء . قسنطينة . • البريد الالكتروني : afarid400@yahoo.fr • الوظيفة : أستاذ جامعي برتبة أستاذ مساعد " أ " . • مكان الوظيفة : جامعة العربي بن مهيدي – أم البواقي – كلية الحقوق و العلوم السياسية – قسم الحقوق . • تاريخ التوظيف : 07 / 12 / 2004 . • الشهادة العلمية المحصل عليها : شهادة الماجستير – تخصص : عقود و مسؤولية – • محصل عليها من : جامعة الجزائر 1 – كلية الحقوق بن عكنون . • بتاريخ : جوان / 2004 . • الشهادة العلمية محل التحضير : أطروحة دكتوراه - جامعة الجزائر 1 – كلية الحقوق بن عكنون . • تمّ تعيين أعضاء لجنة المناقشة : مند سنة تقريبًا . • و لم يبقى إلاّ : تحديد تاريخ المناقشة . أ. عيسوس . جويلية 2017 . مشروعية الجراحة التجميلية في الشريعة الإسلامية مقدمة : تزخر الحياة الإنسانية بمفردات الجمال و مشتقاتها، إنْ على المستوى الثقافي العام أو الخاص، حتى شاع المأثور : ﴿ إنّ اللهَ جَميل يُحبُ الجَمال ﴾، ليُعبّر عن مدى صِدْقية هذه القِيمة و كونها كذلك . و في إطار الشريعة الإسلامية - تحديداً - شُرّع التجمُّل و التزيُّن، فقال الله تعالى : ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَ الْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾( )، في استفهام استنكاري يؤكّد فيه على البُعْد القيمي للتجمّل و التزيّن( ) . و ما يزيد في هذه القيمة التي لم يختلف بنو البشر حولها إلاّ في التفاصيل، أنّ الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، فجعله في أفْضل هيئة و أكْمل صورة، مُعتدل القامة كامل الخِلْقَة، كما أوْدَعَ فيه غريزة حُبّ التزيّن و التجمّل، و دعا إليها عن طريق رُسُله و أنبيائه. فقال الله عزّ و جلّ : ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ وَ كُلُوا و اشْرَبُوا وَ لاَ تُسْرفُوا إنّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ﴾( ) . و قال رسوله الكريم محمد صلّى الله عليه و سلّم : ﴿ لا يغتسل رجل يوم الجمعة، و يتَطهّر ما استطاع من طُهر، و يُدهن من دُهنه، أو يَمَسّ من طيب بيته، ثم يخرُجُ فلا يُفرّق بين اثنين، ثمّ يُصلّي ما كُتب له، ثم يُنْصتُ إذا تكلّم الإمام، إلاّ غُفر له ما بينَه و بين الجُمعة الأخْرى ﴾( )، و في هذا، دلالة واضحة على حثّ الشارع على التجمّل و لَبْس أحسن الثياب و التطيّب( ) . و النّاضر في الجراحة الطبيّة بمختلف صورها و مقاصدها، بما فيها الجراحة التجميلية، يجدها تنقسم من الناحية الشرعية إلى قسمين : أحدهما : شهد الشَرع بجوازه . الثاني : شهد الشَرع بحُرمته( ) . لذلك فإنّه من المناسب تقسيم الحديث عنهما في هذا المقال إلى مبحثين : الأول : في الجراحة التجميلية المشروعة . و الثاني : في الجراحة التجميلية المحرّمة . و نختم هذا المقال بقرار مُجمّع الفقه الإسلامي ( منظمة المؤتمر الإسلامي )، رقم : 173 ( 11 / 18 ) بشأن الجراحة التجميلية و أحكامها، الأحد : ربيع الأول 1430 الموافق لـ : 22 / مارس / 2009 م . المبحث الأول : الجراحة التجميلية المشروعة : لا تخلو الجراحة التجميلية المشروعة التي شَهِدَتْ أدلّة الشَرع بجوازها، أن يكون القَصْدُ منها علاج التشوّه . و هي تنحصر في " الجراحة التجميلية الضرورية " التي لا بُدّ من إجرائها، لوجود الدّاعي لذلك، إمّا لإزالة عيْب يؤثر على الصحّة، أو على استفادته من العضو المَعيب، أو لوجود تشوّه غير مُعتاد في خِلقة الإنسان المعهودة ( ) . و بيان ذلك سيكون في ثلاثة مطالب : الأول : في تعريفها . و الثاني : في بيان أدلّة جوازها . و الثالث : في تفصيل بعض صورها . المطلب الأول : تعريف الجراحة التجميلية الضرورية : يصفها الأطبّاء بكونها ضرورية لِمَكَان الحَاجة الدّاعيةِ إلى فِعْلها، إلاّ أنّهم لا يُفرّقون فيها بين الحَاجة التي بلغت مقام الاضْطرار ( الضرورة ) و الحَاجة التي لم تبلغه ( الحاجية ) كما هو مصطلح الفقهاء – رحمهم الله – ( ) . و هذا النّوع المُحْتَاج إلى فعله يشتمل على عدد من الجراحات التي يُقصد منها إزالة العيب سواء كان في صورة نُقص، أو تلف، أو تشوّه . فهو ضروري، أو حاجي بالنسبة لدواعيه الموجبة لفعله، و تجميلي بالنسبة لآثاره و نتائجه . و إذا نظرنا إلى العيوب التي توجد في الجسم فإنّنا نجدها على قسمين : القسم الأول : عيوب خلقية : و هي عيوب ناشئة من سبب فيه لا من سبب خارج عنه، فيشمل ذلك ضربين من العيوب و هما : الضرب الأول : العيوب الخلقية التي وُلد بها الإنسان . الضرب الثاني : العيوب الناشئة من الآفات المرضية التي تُصيب الجسم . فمن أمثلة الضرب الأول، العيوب التالية : 1- الشق في الشفة العُليا ( الشفة المفلوجة ) . 2- التصاق أصابع اليدين، و الرّجلين . 3- انسداد فتحة الشرج . 4- شذوذ الحويضة الخلقي، و من أهمها ( ازدواج حُويضة الكِلية ) . 5- شذوذ الحالب( ) الخلقي ( الازدواج الحالبي، ارتكاز الحالب الهاجر، الحالب خلف الوريد الأجوف، و الحالب العرطل الخلقي، القيلة الحالبية ) . و من أمثلة الضرب الثاني، العيوب التالية : 1- انحسار اللّثة بسبب الالتهابات المُختلفة . 2- أورام الحُويضة و الحالب السليمة . 3- عيوب صيوان الأذن الناشئة عن الزهري و الجُذام و السلّ . 4- سرطان الثدي عند المرأة . القسم الثاني : عيوب مكتسبة ( طارئة ) : و هي العيوب الناشئة بسبب من خارج الجسم، كما في العيوب و التشوّهات الناشئة من الحوادث و الحروق و غيرها ... . و من أمثلتها، ما يلي : 1- كسور الوجه الشديدة التي تقع بسبب حوادث السير . 2- تشوّه الجلد بسبب الحروق . 3- تشوّه الجلد بسبب الآلات القاطعة( ) . 4- التصاق أصابع الكف بسبب الحروق . و هذا النوع من الجراحة الطبيّة و إن كان مُسمّاه يدل على تعلّقه بالتحسين و التجْميل، إلاّ أنّه توفّرت فيه الدوافع المُوجبة للتّرخيص بفعله( ) . فممّا لا شك فيه أنّ هذه العيوب يستضرّ الإنسان بها حسًّا، و معنى، و ذلك ثابت طبيًا، و من ثمّ فإنّه يُشرّع التوسيع على المُصَابين بهذه العيوب بالإذْن لهم في إزالتها بالجراحة اللاّزمة، و ذلك لما يأتي : المطلب الثاني : بيان أدلة الشرع بجواز الجراحة التجميلية الضرورية : و نلخّصها فيما يأتي : أولاُ : أنّ هذه العيوب تشتمل على ضرر حِسّي، و مَعْنوي، و هو موجب للتّرخيص بفعل الجراحة لأنّه يُعتبر حاجة، فتنزل منزلة الضرورة و يُرخّص بفعلها إعمالاً للقاعدة الشرعية التي تقول : « الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامةً كانت أو خاصّة » . ثانيًا : يجوز فِعْلُ هذا النوع من الجراحة، كما يجوز فِعْلُ غيره من أنواع الجراحة المشروعة الأخرى ( الجراحة العلاجية، جراحة الكشف و الفحص الطبّي، جراحة الولادة و جراحة التشريح ) بجامع وجود الحاجة في كلّ منهما . فالجراحة العلاجية مثلاً وُجدت فيها الحاجة المُشتملة على ضرر الألم و هو ضرر حِسّي، و هذا النّوع من الجراحة في كثير من صوره يشتمل على الضرر الحِسّي و المعنوي . و لا يُشكّل على القول بجواز فعل هذا النوع من الجراحة، ما ثَبُتَ في النصوص الشرعية من تَحْريم تغيير خِلْقة الله تعالى و ما سيأتي في الحكم بتحريم الجراحة التجميلية التحسينية، و ذلك لما يأتي : 1- أنّ هذا النوع من الجراحة وجدت فيه الحاجة الموجبة للتغيير، فأوجبت استثنائه من النصوص الموجبة للتحريم . قال الإمام النّووي – رحمه الله – في شرْحه لحديث بن مسعود – رضي الله عليه – في لَعْنْ النبيّ صلّى الله عليه و سلّم للواشمات و المستوشمات « و أمّا قوله : « المتفلّجات للحُسن » فمعناه يفْعَلْنَ ذلك طَلَبًا للحُسن، و فيه إشارة إلى أنّ الحرام هو المفعول لطلب الحُسن، أمّا لو احتاجت إليه لعلاج أو عيْب في السن و نحوه فلا بأس بذلك »( ) . فبيّن – رحمه الله – أنّ المُحرّم ما كان للمقصود منه التجميل و الزيادة في الحسن، و أمّا ما وُجدت فيه الحاجة الداعية إلى فعله فإنّه لا يشمله النهي و التحريم . و هذا النوع من الجراحة وُجدت فيه الحاجة كما تقدّم، لأنّ هذه العيوب منها ما يشْتمل على بعض الآلام كتشوّهات الحالب، و أورامه، و أورام الحويضة، و كسور الوجه، و منها ما يشْتمل على ما هو في حُكم الألم من تأذًي المصاب به من فوات مصلحة العُضو، كما في الأصابع الملتصقة، و انسداد فتحة الشرج، و الشقّ الموجود في الشفة، فكل هذه أضرار موجبة للتّرخيص و استثناء الجراحة المتعلقة بها من عموم النهي عن تغيير الخِلْقَة . 2- أنّ هذا النوع لا يشمل على تغيير الخِلْقة قصدًا، لأنّ الأصل فيه أنّه يُقصد منه إزالة الضرر، و التجميل و الحُسن جاء تبعًا . 3- أنّ إزالة التشوهات و العيوب الطارئة لا يُمكن أن يَصْدُقَ عليه تغيير لخلقة الله، و ذلك لأنّ خلقة العُضو هي المقصودة من فعل الجراحة و ليس المقصود إزالتها . 4- أنّ إزالة تشوهات الحروق و الحوادث يُعتبر مندرجًا تحت الأصل الموجب لجواز معالجتها، فالشخص مثلاً إذا احترق ظهره أُذن له في العلاج و التداوي، و ذلك بإزالة الضرر و أثره لأنّه لم يرد نص يستثني الأثر من الحكم الموجب لجواز مداواة تلك الحروق فيُستصحب حكمه إلى الآثار، و يُؤذن له بإزالتها . و بناء على ما تقدّم، فإنّه لا حَرَجَ على الطبيب و لا على المريض في فِعْلِ هذا النوع من الجراحة، و الإذن به . و يُعتبر جواز إزالة العيوب الخلْقية و إصلاحها في هذا النوع مبنيًا على وجود الحاجة الدّاعية إلى فعله، و أمّا العيوب الحادثة بسبب الحوادث و الحروق و نحوها، فإنّه تجوز إزالتها و إصلاحها بدون ذلك الشرط اعتبارًا للأصل الموجب لجواز مداواة نفس الحرق، و الجرح . فهذا هو النوع الأول من الجراحة التجميلية ( الضرورية )، التي أَذِنَتْ الشريعة الإسلامية بفعلها، نظرًا لما تشتمل عليه من تحْصيل المصالح المحمودة، و دفْع المَضَار الموجودة في جسم الإنسان، و المَفاسد المُترتّبة عليها( ) . فهو متفق إذن على جوازه في الجملة، و عليه فتوى المجمّع الفقهي الإسلامي( )، و سائر الباحثين و الفقهاء ... ، و له أدلة عامة : كأدلّة مشروعية التداوي، و رفع الحرج، و إزالة الضرر . و أدلّة خاصّة : كحديث ابن مسعود في رواية : ﴿ سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم نَهَى عن النّامصة و الوَاشرة و الواصلة و الواشمة، إلاّ من داء ﴾( ) . المطلب الثالث : تفصيل بعض صور الجراحية التجميلية الضرورية : و قد اخترنا جراحة الختان أولاً، و جراحة تجميل الأعضاء بقطع الزوائد ثانيًا . أولا : جراحة الختان : 1- تعريف الختان : الختان هو : قَطْعُ جميع الجلدة التي تُغطّي الحَشَفَة - رأس الذكر – بالنسبة للرّجل، أو قَطْعِ أدْنى جُزْء من الجلدة التي في أعلى الفَرْج بالنسبة للنّساء . و جراحة الختان من أقدم أنواع الجراحة؛ حيث كانت موجودة في عهد النبيّ صلّى الله عليه و سلّم و قَبْله، و هي من بقايا الحَنَفية مِلّة إبراهيم عليه السلام، فقد أجْمع العُلماء أنّه أول من اخْتتن . فالخِتان من فِطرة الإسلام و شعار المسلمين، و هي طَهَارة للجسم و زينة له، فضلاً عن فوائده الطبيّة التي اكتُشفت حديثًا( ) . و يدلّ على مشروعية الخِتان، ما صحّ عن النبي صلّى الله عليه و سلّم أنّه قال : ﴿ الفِطرة خمسة : الاختتان، و الاستحداد، و قصّ الشّارب، و تقْليم الأظافر، و نتْف الإبط ﴾( ) . 2- حكم الختان : اختلف أهل العلم – رحمهم الله - في حكم جراحة الختان، على ثلاثة أقوال، تدور بين الوجوب و السنّة : القول الأول : الختان سُنّه : و به قال : الحنفية، و المالكية، و أحمد بن حنبل في رواية عنه( ) . و استدلّ أصحاب هذا القول بأدلّة كثيرة من السنّة النبوية، منها : 1- ما صحّ عن النبي صلّى الله عليه و سلّم أنّه قال : ﴿ الفطرة خمسة : الاختتان، و الاستحداد، و قص الشارب، و تقليم الأظافر، و نتف الإبط ﴾( ) . وجه الدلالة من الحديث : أنّ الفطرة هنا هي السنّة، و لذلك فالختان و الخصال المذكورة معه مسنونة، و ليست واجبة( ) . 2- ما رُوي عن النبي محمد صلّى الله عليه و سلّم أنّه قال : ﴿ الختان سنّة للرجال مكرُمة للنساء ﴾( ) . وجه الدلالة من الحديث : أنّه نصّ على اعتبار الختان سُنّة بالنسبة للرجال و مكرمة بالنسبة للنساء، و هذا ظاهر في الدلالة على عدم وجوبه على كلتا الطائفتين( ) . القول الثاني : الختان واجب على الذكور و الإناث : و به قال : بعض المالكية، و الشافعية، و الحنابلة( ) . و استدلّ أصحاب هذا القول بأدلّة كثيرة من الكتاب، و السنّة، و العقل، أهمّها : من الكتاب : 1- قوله تعالى : ﴿ و إِذِ ابْتَلَى إبْرَاهيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنَّ ... ﴾( ) . وجه الدلالة من الآية : أنّ الخِتان من بين الكلمات التي ابْتُلِيَ بها إبراهيم عليه السلام كما صحّ ذلك عن ابن عبّاس – رضي الله عليهما - و هي من خصال الفِطرة، و الابتلاء إنّما يقع غالبًا بما يكون واجبًا( ) . 2- قوله تعالى : ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ أَنِ اتّبْعْ مِلّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفُا ... ﴾( ) . وجه الدلالة من الآية : أنّ الاختتان من مِلّة إبراهيم كما ذَكَرَ غير واحد من المفسّرين، فيكون داخلاً في عموم المأمور بإتباعه، و الأصل في الأمر أنّه للوجوب، حتى بقوم الدليل على صرفه عن ذلك( ). من السنّة : ما رُوِيَ أنّ رجلاً أسلم على عهد رسول الله صلّى الله عليه و سلّم، فقال له النبي صلّى الله عليه و سلّم : ﴿ ... ألق عنك شعر الكُفر، و اختن ﴾( ) . وجه الدلالة من الحديث : أنّ قوله صلّى الله عليه و سلّم : ﴿ اختتن ﴾ أَمْرٌ، و الأمر للوجوب، فدلّ ذلك على وجوب الاختتان و لزومه، و خطابه للواحد يشمل غيره حتى يقوم دليل الخصوصية( ) . من العقل : انعقادْ الإجماع على تحريم النظر إلى العورة، و لو لم يكن الختان واجب لما أبيح النظر إلى عورة المختون . القول الثالث : الختان واجب على الذكور، و مكرمة للإناث : و به قال : بعض المالكية، و الضاهرية، و رواية عن الإمام أحمد . استدلّ أصحاب هذا الفول على وجوب الختان على الرجال بالأدلّة التي استدلّ بها أصحاب القول الثاني، و استدلّوا على كونه مكرمة على النساء غير واجب عليهنّ، بالحديث الثاني الذي استدلّ به أصحاب القول الأول( ) . القول الراجح : هو القول الثاني، القائل بوجوب الختان على الذكور و الإناث : لصحّة و قوة ما ذكره أصحاب هذا القول في غالب استدلالهم من جهة . و لضعف استدلال أصحاب القولين الأول و الثالث( ) . ثانيًا : جراحة تجميل الأعضاء بقطع الزوائد : 1- تعريف القطع : المراد بالقطْع : إبانة العُضو، أو جزئه عن الجسم، سواء كان موضع الإبانة من المفصل، و تُسمّى عمليته بالفَصْل، كما في إبانة الأصَابع و السُلاميات بالحز من مفاصلها، أو كان موضعها في غير المفاصل كما في بتْر السّاعد و السّاق من منتصفهما بالنّشر . و الشيء المقطوع قد يكون عُضوًا من أعضاء الجسم الموجودة فيه من أصل خِلقته كاليد، و الرجل، و قد يكون جُزءًا غريبًا ناشئًا بسبب عِلّة، أو آفة أصابت الموضع الذي فيه ذلك الجزء كما في الخراج( ) و نحوه( ) . 2- حكم قطع الزوائد : و القطْعُ في الحقيقة إتلاف و هو مفسدة، و لذلك فإنّ الأصل فيه أنّه مُحرّم شرعًا، لكن أُجيز في الجراحة الطبية لمكان الضَرورة و الحاجة الداعية إلى فعله، و قد أشار إلى ذلك الإمام أبو مُحمّد علي بن حزم الظَاهري – رحمه الله – و حكا إجماع أهل العلم – رحمهم الله – عليه بقوله : « و اتفقوا أنّه لا يحلّ لأحد أن يَقْتُلَ نفسه و لا يَقْطَعَ عُضوًا من أعضائه، و لا أن يُألم نفسه في غير التّداوي بقطع العضو الألم خاصّةً »( ) . و قد شهدت السنّة النبوية الثابتة عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بجواز فعل القطع عند الحاجة إليه في العلاج . ففي الصحيح من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أنّه قال : ﴿ بعث رسول الله صلّى الله عليه و سلّم إلى أبي بن كعب طبيبًا فقطع منه عرقًا ثم كَوَاه عليه ﴾( ) . و القَطْعُ في الجراحة الطبيّة يصل في بعض الأحوال إلى مرتبة الضروريات التي يُخشى فيها من فوات النفس، و في بعضها كالجراحة التجميلية، يصل إلى مرتبة الحاجيات التي لا تصل إلى درجة الخوف على النفس من الهلاك، و لكن يلْجَأ الأطباء فيها إلى القطْع دفْعًا لضرر الآلام و مُشتقاتها . و من أمثلتها جراحة تجميل الأعضاء بقطع الزوائد . و الزوائد : إمّا يُولد بها الإنسان كأصبع زائدة، أو سن زائدة أو طويلة (أ) . و إمّا أن تكون حادثة فتُوجد نتيجة مرض كالسلعة و التالول و الخراج ( ب) ( ) . فهل يجوز قطعها أم لا ؟ . أ- الزوائد التي يولد بها الإنسان : هذه الزوائد، لا تخلو من حالتين : الأولى : ألاّ يوجد فيها ألم يدعو إلى قطعها . الثانية : أن يوجد فيها ألم يدعو إلى قطعها . فأمّا الحالة الأولى : فإنّه لا يجوز فيها قَطْعُ هذه الزوائد، لعدم وجود ما يدعو لذلك . و به قال : بعض الحنفية، و بعض المالكية، و بعض الشافعية، و بعض الحنابلة( ) . و ذلك لأنّه يُعدّ من تغيير خلق الله تعالى، و قد حرّم الله ذلك في كتابه بقوله حكايةً عن إبليس – لعنه الله - : ﴿ ... وَ لآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَِيّرُنَّ خَلْقَ اللهِ ﴾( ) . و قد صحّ عن عبد الله ابن مسعود أنّه قال : ﴿ لعن الله الواشمات و المستوشمات و المتنمّصات و المتفلّجات للحسن المغيرات خلق الله، ما لي لا ألعن من لعن النبي صلّى الله عليه و سلّم و هو في كتاب الله و ما آتاكم الرسول فخذوه ... ﴾( ) . فَقَطْعُ تلك الزوائد تَغييرٌ لِخلْقِِ الله تعالى بقصدِ الحُسن، فاللّعن يشمله، و اللّعنُ يقْتضي التَحْريم . قال الإمام القرطبي – رحمه الله - : « قال أبو جعفر الطبري( ) : حديث بن مسعود دليل على أنّه لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خِلقتها التي خلقها الله عليها بزيادةٍ أو نُقصان، التماسًا للحُسْن، لا للزّوج و لا لغيره، كمن تكون لها سنّ زائدة فتقلعها أو طويلة فتقطع منها، و كل ذلك داخل في النّهي و هي من تغيير خلق الله تعالى »( ) . و استثنى الطبري من ذلك، ما يَحْصل به الضرر و الأذِيَة . كمن يكون لها سن زائدة أو طويلة تُعيبها في الأكل، أو أصبع زائدة تُؤْذيها ... ، فيجوز ذلك . و الرّجل في هذا الأخير كالمرأة ( ) . ثمّ نقل عن القاضي عياض – رحمه الله – ( ) تعليقه على قول الإمام الطبري هذا فقال : « قال عياض : و يأتي ما ذكره أنَّ من خُلِقَ بأُصبع زائدة، أو عُضو زائد لا يجوز له قطْعه و لا نَزْعه، لأنّه من تغيير خلق الله تعالى، إلاّ أنْ تكون هذه الزائدة تؤلمه، فلا بأس بنزعها »( ) . فتبيّن من هذا كُلّه أنّه لا يجوز قَطْعَ الأصبع الزائدة التي لم توجد الحاجة لقطعها ( ألم مادّي و / أو نفسي )، و أنَّ قَطْعَهَا على هذا الوجه يُعتبر داخلاً في المَنْهِي عنه الملعون فاعله و طالبه ... ، و لذلك نصّ الإمام أحمد – رحمه الله – على حُرمة قطعها ( ) . الحالة الثانية : أن يوجد في هذه الزوائد ألم يدعو إلى قطعها : و في هذه الحالة يجوز لصاحبها قطع هذه الزوائد؛ لوجود الحاجة الدافعة لذلك، و لأنّ قطعها لا يُعتبر تغييرًا لخلق الله، و لكن بشرط أن يكون علاج ذلك الألم هو القَطْع، أمّا لو أمْكن إزالة ذلك الألم بدواء أخفّ مِنَ القطع فإنّه يجب المَسير إليه، و لا يجوز الإقْدام على القطع، و يسري هذا في جميع الجراحة الطبيّة . و إنّما جاز القطع في هذه الحالة لمكان الحاجة الداعية إليه ... ، و هذا ما أكّده الإمام الطبري في استثنائه - السابق ذكره – لهذه الحالة . و قد أشار إلى استثناء هذه الحالة القاضي عياض – رحمه الله – و حَكَاهُ عن الطبري و غيره بقوله : « ... إلاّ أن تكون هذه الزائدة تُؤلمه، فلا بأس بنزعها »( ) . و ذهب كثير من فقهاء الحنفية، و المالكية، و الشافعية، و الحنابلة إلى أن هذه الزوائد عيب و نُقص في الخِلْقة المَعهودة . و قطعها يُزيل ذلك النُقص و الشّين ، و يزيد الجَمَال . و خلاصة القول، أنّ الزوائد التي يُولد بها الإنسان، عَيْبٌ و نُقصٌ في الخِلقة المعهودة، و يجوز قطعُها بشروط و هي : أ- أن تكون زائدة على الخلقة المعهودة، كوجود أصبع سادس في اليد أو الرجل . ب- أن تؤدّي إلى ضرر مادّي أو نفسي لصاحبها . ج- أن يأذن صاحبها أو وليه في القطع . د- أن لا يترتّب على قطعها ضرر أكبر كتلف العضو أو ضعفه( ) . ب- الزوائد الحادثة : أباح الفُقهاء قطْع السلعة و التالول و الخراج، لأنها لم تكن موجودة في أصل الخلقة، و إنما حدثت نتيجة مرض . فيدخل قطعها في التداوي المأذون به . و يُشترط لذلك عدم الخوف من السراية( ) . المبحث الثاني : الجراحة التجميلية المحرّمة : لا تخلو الجراحة التجميلية المُحرّمة التي شهِدت أدلّة الشرع بعدم جوازها، أن يكون القَصْدُ منها تغيير خِلقة الله تعالى و العبث بها حسب أهواء الناس . و هي تنحصر في : الجراحة التجميلية التحسينية ( الاختيارية )، و جراحة تغيير الجنس : التي لم تتوفر فيهما الدّواعي المُعتبرة شرعًا للتّرخيص بفعلهما . و بيان ذلك سيكون في ثلاثة فروع : الأول : في الجراحة التجميلية التحسينية . و الثاني : في جراحة تغيير الجنس . و الثالث : في تفصيل بعض صورهما . المطلب الأول : الجراحة التجميلية التحسينية ( الاختيارية ) : هذا النوع من الجراحة التجميلية، لم تتوفر فيه الدواعي المعتبرة شرعًا للترخيص بفعله، و تُعتبر مقاصده من جنس المقاصد المحرّمة شرعًا، كالعبث بالخلقة و تغييرها طلبًا للجمال و الحُسن( ) . و بيان هذه الجراحة، يتطلّب : أولاً : تعريفها . ثانيًا : بيان أدلّة الشّرع بعدم جوازها . أولاً : تعريف الجراحة التحسينية : هي : جراحة تهدف من جهة لتحسين المظهر، لا لوجود عيب أو تشوّه، بل لتحقيق منظر أحْسَنْ و أجْمَلْ، و تهدف من جهة ثانية لتجديد الشباب أو التشبّه بشخص( ) . و المراد بتحسين المَظْهر : تحقيق الشكل الأفضل، و الصورة الأجْمل، دون وجود دوافع ضرورية أو حاجية تستلزم فعل الجراحة . و أمّا تجديد الشباب : فالمُراد به إزالة الشيخوخة، فيبدو المُسنّ بعدها و كأنّه في عهد الصِبَا، و عُنْفوان الشباب في شكله و صورته( ) . و العمليات المتعلقة بهذه الجراحة تنقسم إلى نوعين : النوع الأول : عمليات الشكل . النوع الثاني : عمليات التشبيب . فأما النوع الأول : فمن أشهر صوره ما يلي : 1- تجميل الأنف : بتصغيره، و تغيير شكله من حيث العَرْض و الارتفاع . 2- تجميل الثدييْن : بتصغيرهما إذا كانا كبيرين، أو تكبيرهما بحقْن مادّة مُعيّنة ( السيليكون ) مباشرة في تَجْويف الثدْييْن، أو بحقْن الهرمونات الجنسية، أو بإدخال النهد الصناعي داخل جوف الثدي بواسطة فتحة في الطيّة الموجودة تحت الثدي . 3- تجميل الأذن : بردّها إلى الوراء إنْ كانت مُتقدّمة . 4- تجميل البطن : بشدّ جلدتها و إزالة القسم الزائد بسحبه أو شفطه من تحت الجلد جراحيًا( ) . و أمّا النوع الثاني : فإنّه يُجرى لكبار السّن، و يُقصد منه إزالة آثار الكبر و الشيخوخة . و من أشهر صوره ما يلي : 1- تجميل الوجه : بشد تجاعيده، سواء يرفع جزء منه، أو برفع جزء منه و من الرقبة و هو ما يُسمّى بالرّفع الكامل . 2- تجميل الأرداف : و ذلك بإزالة المواد الشَحْمية في المنطقة الخلْفية العُليا، أو المنطقة الجانبية من الأرداف ثمّ شدّ جِلْدتها، و يُهذب حجمها بحسب الصورة المطلوبة. 3- تجميل اليدين : و يُسمّى في عرف الأطبّاء " بتجديد شباب اليدين " ، و ذلك بشدّ التجاعيد الموجودة في أيدي المسنّين و التي تُشوّه جمالها . 4- تجميل الحواجب : و ذلك بسحب المادّة الموجبة لانتفاخها، نظرًا لكبر السّن و تقدّم العُمر( ) . فهذه مُجمل صور الجراحة التجميلية التحسينية، كما بيّنتها الكُتب المُختصّة بجراحة التجميل . ثانيًا : بيان أدلّة الشرع بعدم جواز الجراحة التحسينية : هذا النّوع من الجراحة لا يشمل على دوافع ضرورية، و لا حاجية، بل غاية ما فيه تغيير خِلقة الله تعالى، و العبث بها حسب أهواء النّاس و شهواتهم، فهو غير مشروع، و لا يجوز فعله، و ذلك لما يأتي : 1- لقوله تعالى - حكايةً عن إبليس لعنة الله عليه - : ﴿ ... وَ لآمُرَنّهُمْ فَلَيُغَّيُرنَّ خَلْقَ اللهِ ... ﴾( ) . وجه الدلالة من الآية : أنَّها واردة في سياق الذّم، و بيان المُحرّمات التي يُسوّل الشيطان فِعْلها للعُصاة من بني آدم، و منها تغيير خِلْقةِ الله( ) . و جراحة التجميل التحسينية تَشْتَمل على تغيير خلقة الله( ) و العَبث بها حسب الأهواء و الرّغبات، فهي داخلة في المَذْموم شرْعًا، و تُعتبر من جنس المُحرّمات التي يُسوّل الشيطان فِعْلها للعُصاة من بني آدم . 2- لحديث عبد الله ابن مسعود - رضي الله عليه - أنّه قال : ﴿ سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يلعن المتنمّصات و المتفلّجات للحُسن اللاّتي يُغيرن خلق الله ﴾( ) . وجه الدلالة من الحديث : أنّ الحديث دلّ على لعن من فعل هذه الأشياء، و علّل ذلك بتغيير الخِلْقَة . فجمع بين تغيير الخِلقة و طلب الحُسن، و هذان المَعْنيان موجودان في الجراحة التحسينية، لأنّها تغيير للخِلقة بقصْدِ الزيادة في الحُسن، فتُعتبر داخلة في هذا الوعيد الشديد و لا يجوز فِعْلُهَا . 3- لا تجوز جراحة التجميل التحسينية كما لا يجوز الوشْم، و الوشر، و النمْص، بجامع تغيير الخلقة في كل طلبًا للحسن و الجمال . 4- أنّ هذه الجراحة تتضمّن في عدد من صورها الغش و التدليس و هو مُحرّم شرعًا لقوله صلّى الله عليه و سلّم : ﴿ ... من غشّنا فليس منّا ﴾( )، ففيها إعادة صورة الشباب للكهل و المسنّ في وجهه و جسده، و ذلك مُفض للوقوع في المحظور من غش الأزواج من قبل النساء اللاّتي يفْعلن ذلك، و غش الزوجات من قبل الرجال الذين يفعلون ذلك( ) . 5- أنّ هذه الجراحة لا يتم فعلها إلاّ بارتكاب بعض المحظورات و فِعْلُهَا، و من تلك المحظورات التخدير، إذْ لا يُمكن فِعل شيء من المهمّات التي سبق ذكرها إلاّ بعد تخدير المريض تخديرًا عامًا أو موضعيًا . و معلوم أنّ التخدير في الأصل محرّمٌ شرعًا، و فِعله في هذا النوع من الجراحة لم يأذن به الشّرع لفقْد الأسباب الموجبة للترخيص و الإذن به و هي " الضرورة و الحاجة "، و عليه فإنّه يُعتبر باق على الأصل الموجب لحرمة استعماله . و من تلك المحظورات – أيضًا – قيام الرّجال بمهمة الجراحة للنساء الأجنبيات و العكس، و حينئذ تُرتكب محظورات عديدة كاللّمس، و النظر للعورة، و الخُلوة بالأجنبية، و إذا قام بِفعلها الرّجال لأمثالهم و النساء لأمثالهن فإنّه يحصل كشف العورة في بَعْضها كما في جراحة تجميل الأرداف . و هذه المحظورات لم يثبت الترخيص فيها من قبل الشّرع في هذا النوع من الجراحة لانتفاء الأسباب المُوجبة للتّرخيص، فأصبحت باقية على أصلها من الحُرمة، فلا يجوز فعل الجراحة التحسينية الموجبة للوقوع فيها . 6- أنّ هذه الجراحة لا تخلو من الأضرار و المضاعفات التي تنشأ عنها، ففي جراحة الثدْيين بتكبيرهما عن طريق حقن مادّة السيليكون أو الهرمونات الجنسية يؤدّي ذلك إلى حدوث أخطار كثيرة إضافة إلى قلّة نجاحها( ) . و نظرًا لخطورتها يقول بعض الأطبّاء المختصين منهم الدكتور : ماجد طهبوب، نائب رئيس قسم جراحة الحروق و التجميل بمستشفى ابن سينا بدولة الكويت : « هناك اتجاه علمي بأنّ مضاعفات إجراء هذه العملية كثيرة لدرجة أنّ إجرائها لا يُنصح به »( ) . و كذلك جراحة تجميل الوجه التحسينية ( الاختيارية ) فإنّها لا تسلم من العواقب الغير محمودة، و لذلك ورد في الموسوعة الطبية الحديثة ما نصّه : « ... و لكنّها تكون اختيارية( ) حين تُجرى لمجرّد تغيير ملامح بالوجه لا يرضى عنها صاحبها » . و في هذه الحالة يجب إمعان التفكير قبل إجرائها و استشارة أخصّائي ماهر يُقدّر مدى التحسّن المنشود، فكثيرًا ما تنتهي هذه العمليات إلى عُقبى غير محمودة »( ) . و إضافة إلى ما سبق، فإنّ نجاح هذه الجراحة بعد فِعلها يستلزم تغْطية المواضع التي تمّ تجميلها بلفاف طبّي قد يستمر أيامًا، و يمْتنع بذلك غسل المواضع المذكورة في فريضة الوضوء و الغسل الواجب . فعلى سبيل المثال جراحة تجميل الذقن، فإنّها تستلزم عصب الذّقْن الصناعية لمُدّة أسبوع بلفاف طبّي لكي تلتحم بالحنك( ) . و بناء على ما سبق من الأدلّة النقْلية و العقلية، و نظرًا لما يتضمّنه هذا النوع من الجراحة من العبث بِخلق الله من دون وجود ضرورة أو حاجة داعية إلى ذلك، فإنّه يُحرّم فِعْلُه و الإقدام عليه من قِبَلِ الطبيب الجرّاح و الشّخص الطّالب، و تُعتبر الدوافع التي يَعْتذر بها من يفعله من كون الشخص يتألّم نفسيًا بسبب عدم تلبية رغبته بفعل هذا النوع من الجراحة، غير كافية في التّرخيص له بفعله . و تعتذر طائفة من هذا الصنف بعدم بلوغهم لأهدافهم المنشودة في الحياة بسبب عدم اكتمال جمالهم . و الحق أنّ علاج هذه الأوهام و الوساوس إنّما هو بغرس الإيمان في القلوب، و زرع الرضاء عن الله تعالى فيما قسمه من الجمال و الصورة، و المظاهر ليست هي الوسيلة لبلوغ الأهداف و الغايات النبيلة، و إنّما يُدرك ذلك بتوفيق الله تعالى ثم بالتزام شرعه و التخلّق بالآداب و مكارم الأخلاق( ) . و قد ورد في الصفحة 455 من الموسوعة الطبية الحديثة ما نصّه : « ... فعمليات التجميل لا تُغيّر من شخصية المريض تغييرًا ملحوظًا، و أنّ العجز عن بلوغ هدف معيّن في الحياة لا يتوقّف كثيرًا على مَظْهر الشخص، فالمشكلة في ذلك أعمق كثيرًا ممّا يبدو ظواهر هذه الأمور، و على هذا فعمليات التجميل الاختيارية ( التحسينية ) غير مُحقّقة النتائج، و من الخير ترك الإغراق في إجرائها، أو المبالغة في التنبؤ بنتائجها »( ) . و في هذا الكلام من أهل الخبرة و الاختصاص شهادة واضحة بأنّ الجراحة التجميلية ليست هي العلاج للمشاكل النفسية المزعومة و التي يُعتذر بها لفعل هذه الجراحة المحرّمة . المطلب الثاني : جراحة تغيير الجنس : هذا النوع من الجراحة - و مثله مثل الجراحة التجميلية التحسينية - لم تتوفّر فيه الدواعي المعتبرة شرعًا للترخيص بفعله . فهو بذلك، من الجراحة الطبيّة المحرّمة شرعًا . و لبيان ذلك، يتطلب منّا : أولاً : تعريف جراحة تغيير الجنس . ثانيًا : بيان أدلّة الشرع بعدم جوازها . أولاً : تعريف جراحة تغيير الجنس : المراد بها : الجراحة التي يتم بها تحويل الذكر إلى أنثى و العكس . ففي الحالة الأولى – أي تحويل الذكر إلى أنثى - يجري استئصال عضو الرّجل – الذكر – و خصيتيه، ثم يقوم الأطبّاء ببناء مَهبل، و تكبير الثدييْن . و في الحالة الثانية – أي تحويل الأنثى إلى ذكر - يجري استئصال الثدييْن، و إلغاء القناة التناسلية الأنثوية، و بناء عُضو الرّجل – الذكر - . و في كلتا الحالتين يخضع الشخص الذي تُجرى له الجراحة إلى علاج نفسي و هرموني مُعيّن ... . و قد انتشر هذا النوع من الجراحة في السنوات الأخيرة في بلدان الغرب الكافرة كعملية روتينية، و تتلخّص دوافعه في أنّ هؤلاء المرضى – كما يُقال – يشعرون بكراهية الجنس الذي ولدوا عليه نتيجةً لعوامل مختلفة، قد يعود أغلبها – كما يقول بعض الأطبّاء – إلى فَتَرَات مُبكّرة من حياة الإنسان و تربيته، و تكون التربية فيها غير سليمة؛ و هؤلاء الأشخاص لا يوجد فيهم أي لُبْس في تحديد جنسهم سواء من ناحية المَظهر أو من ناحية الجوْهر، كما هو الحال في الخنثى( ) . ثانيًا : بيان أدلّة الشرع بعدم جواز جراحة تغيير الجنس : يُعتبر هذا النوع من الجراحة مُحرّمًا شرعًا، و ذلك لما يأتي : 1- لقوله تعالى حكاية عن إبليس - لعنه الله - : ﴿ ... وَ لآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ الأَنْعَامِ وَ لآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ اللهِ ﴾( ) . وجه الدلالة من الآية : أنّها تضمّنت حُرمة تغيير خَلْقَ الله على وجه العبث، و هذا النوع من الجراحة فيه تغييرٌ للخلقة على وجه العبث، إذْ يقوم الطبيب الجرّاح باستئصال الذكر و الخصيتين و ذلك في حالة تحويل الذكر إلى أنثى، أو يقوم باستئصال الثدييْن و إلغاء القناة التناسلية الموجودة في الأنثى في حالة تحويلها إلى ذكر . 2- لِمَا ثَبُت في الصّحيح من حديث عبد الله ابن عبّاس – رضي الله عنهما – أنّه قال : ﴿ لعن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم المُتشبّهين من الرّجال بالنّساء، و المُتشبّهات من النّساء بالرّجال ﴾( ) . وجه الدلالة من الحديث : أنّه دَلّ على حُرمة تشبّه الرّجال بالنّساء و العكس، و لَعَنَ من فَعَلَ ذلك، و هذا النوع من الجراحة سبب يُتوصّل به لتحصيل هذا الفعل المُحَرّم الذي يُعتبر من كبائر الذنوب، لأنّ الرّجل ( أو المرأة ) إذا طَلَبَ هذا النّوع من الجراحة، إنّما يقصد فقط مُشابهة النّساء . 3- أنّ هذا النوع من الجراحة يَشْتَمل استباحة المَحْظور شرعًا دون إذْن الشارع، إذْ فيه كشف كلّ من الرّجل و المرأة عن موضع العَوْرة، و يتكرّر ذلك مرّات عديدة، و قد دلّت الأدلّة الشرعية على حُرمة ذلك الكشف، و لم يوجد في هذه الجراحة دافع ضروري و لا حاجي يستثني الكشف في هذه الجراحة من ذلك الأصل، فَوَجَبَ البقاء على حُرمته، و حُرمة الوسائل المُفضية إليه . 4- أنّه ثبُت بشهادة بعض المُخْتصّين من الأطبّاء أنّ هذا النوع من الجراحة لا تتوفّر فيه أي دواعٍ أو دوافع مُعتبرة من الناحية الطبيّة، و أنّه لا يعدو كونه رغبة تتضمّن التطاول على مَشِيئة الله تعالى و حِكمته التي اقْتَضت تحديد جنس الإنسان ذكرًا كان أو أنثى( ) . لهذا كلّه، فإنّه لا يجوز للطبيب و للطالب رجُلاً أو امرأة أن يُقْدِمَ على فِعْلِ هذا النوع من الجراحة ...( ) . المطلب الثالث : تفصيل بعض صور الجراحية التجميلية المحرّمة : و قد اخترنا فقط عمليتي الوشم، و رتق غشاء البكارة، لتُقاس عليهما نَظائرهما . أولاّ : الوشم : 1- تعريف الوشم : الوشم : في معناه الاصطلاحي لا يختلف عن معناه اللّغوي، و لذلك، فقد عُرّف بتعاريف متقاربة، نختار أهمّها : 1- الوشم : ما تجعله المرأة على ذراعها بالإبرة، ثم تحشوه بالنؤور . 2- الوشم : هو أن يغرز في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة بإبرة، حتى يسيل الدم، ثم يُحشى بالكحل أو بالنؤر، فيخضر ذلك الموضع( ) . 3- هو تقريح الجلد و غرزه بالإبرة و حشوه بالنيل أو الكحل أو دخان الشحم و غيره من المواد( ) . 2- حكم الوشم : أجْمَعَ الفُقهاء على تَحْريم " الوشم " على الفاعلة و المفعول بها إن كان برضاها و اخْتيارها . و يدخل في التحريم النساء و الرجال على السواء( ) . و قد استدلّ الجمهور على تحريم الوشم بما يأتي : 1- قوله تعالى : ﴿ وَ لأُضِلَّنَّهُمْ وَ لأُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ الأَنْعَامِ وَ لآمُرَنَّّهُمْ فَلَيُغَِيّرُنَّ خَلْقَ اللهِ، وَ مَن يَّتَّخِذِ الشَيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرانًا مُبِينًا ﴾( ) . فقوله : ﴿ فَلَيُغَِيّرُنَّ خَلْقَ اللهِ ﴾، قال بعض المفسّرين، يكون ذلك بالوشم، و لهذا المعنى بالذات حُرّم فعله . و من المفسّرين الذين حَمَلوا هذه الآية على الوَشم، عبد الله ابن مسعود – رضي الله عليه – و الحَسَنُ البصري – رحمه الله – ( ) . 2- ما صحّ عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنّه فال : ﴿ لعن الله الواشمات و المستوشمات و المتنمّصات و المتفلّجات للحسن المغيّرات خلق الله، ما لي لا ألعن من لعن النبي صلّى الله عليه و سلّم و هو في كتاب الله و ما آتاكم الرسول فخذوه ... ﴾( ) . 3- و في رواية أخرى قال النبي صلّى الله عليه و سلّم : ﴿ لعن الله الواصلة و المستوصلة و الواشمة و المستوشمة ﴾( ) . وجه الدلالة من الحديثين : أنّ اللّعن لا يكون على أمْر غير مُحرّم، فدلّ الحديثان السابقان على أنّ الوشم حَرَامٌ، و أنّ تلك الأمور من الكبائر، قِيلَ لأنّها من باب تغيير خلق الله تعالى، و الحُرمة هنا عامّة في النساء و الرجال( ) . ثانيًا : رتق غشاء البكارة : 1- تعريف الرتق : الرتق هو : سدّ موضع الفتق( ) الموجود في الجسم . و هذه المهمّة يلجأ إليها الأطبّاء لعلاج الفتوق الموجودة في الجسم، و من أشهرها : الفتوق السرية . الفتق الفخذي . الفتق المثاني . فتوق المعي الغليظة . و إذا كان يجوز شرعًا الترخيص للمرضى و الأطباء فِعل جراحة الفتق نظرًا لحاجة المريض إليها لمكان الآلام و خوف الضرر المترتب على ترك الفتق دون علاج من جهة، و إعمالاً لقاعدة " الحاجة تنزل منزلة الضرورة " من جهة ثانية( )، فهل يجوز شرعًا كذلك, رتق غشاء البكارة الممزّق( ) ؟ . 2- حكم رتق غشاء البكارة : اختلف الفقهاء و العلماء في حكم جراحة رتق غشاء البكارة على قولين . الأول : لا يُجيزها مطلقًا . و الثاني : فيه تفصيل تبعًا لسبب التمزّق . القول الأول : لا يجوز رتق غشاء البكارة مطلقا : و به قال فضيلة الشيخ : عز الدّين الخطيب التّميمي( )، في بحثه : " غشاء البكارة من منظور إسلامي "، المُقدم في ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبيّة، المُنعقدة في الكويت . عام 1407 هـ - 1986 م . ثبت الندوة : 571 – 573 ، بما يلي : 1- أنّه يؤدي إلى اختلاط الأنساب، فقد تحمل المرأة من الجماع السابق، ثم تتزوّج بعد رتق غشاء بكارتها، و هذا يؤدّي إلى إلحاق ذلك الحمل بالزّوج و اختلاط الحلال بالحرام. 2- فيه، اطّلاع على المُنكر . 3- أنّه يُسهّل ارتكاب جريمة الزّنى للفتيات، لعلمهنّ بإمكان رتْق غشاء البكارة بعد الجِمَاع . 4- أنّه إذا اجتمعت المصَالح و المفَاسد فإنْ أمْكن تحْصيل المصَالح و درء المفاسد فعلْنا ذلك، و إنْ تعذّر الدّرْء و التّحصيل، فإنْ كانت المفسدة أعْظم من المصْلحة درأنا المفْسدة و لا نُبالي بفوات المصْلحة كما قرّر فُقهاء الإسلام . و تطبيقًا لهذه القاعدة فإنّنا إذا نظرنا إلى رتق غشاء البكارة و ما يترتب عليه من مفاسد حكمْنا بعدم جواز الرّتق لعظيم المفاسد المُترتّبة عليه . 5- تبعًا لقاعدة : " الضرر لا يُزال بمثله " و من فروع هذه القاعدة " لا يجوز للإنسان أن يدْفع الغرق عن أرضه بإغراق أرض غيره "، و مثل هذا لا يجوز للفتاة و أمّها أن يُزيلا الضرر عنهما برتق غشاء البكارة و يلحقانه بالزّوج . 6- أنّه نوع من الغشّ، و الغشّ مُحرمٌ شرعًا . 7- أنّه يفتح أبواب الكذِب للفتيات و أهليهنّ لإخفاء السبب الحقيقي، و الكذِبُ مُحرّمٌ شرعًا( ) . 8- أنّه يفْتح البَاب للأطبّاء أن يلجئوا إلى إجراء عمليات الإجهاض، و إسقاط الأجنّة بحُجّة الستر . القول الثاني : التفصيل : 1- إذا كان سبب التمزّق حادثة أو فعلاً لا يُعتبر في الشّرع مَعْصِية و ليْس وطْئاَ في عقد النكاح، فيُنْظر : أ- إنْ غَلَبَ على الظن أن الفتاة ستُلاقي عنتًا و ظُلمًا بسبب الأعراف و التّقاليد، كان إجراؤه واجبًا . ب- إن لم يَغْلب ذلك على ظن الطبيب كان إجراؤه مَنْدوبًا . 2- إذا كان سبب التمزّق وطْئًا في عقد النّكاح كما في المُطلّقة أو كان بسبب زنى اشتهر بين النّاس فإنّه يُحرم إجراؤه . 3- إذا كان سبب التمزّق زنى لم يشتهر بين النّاس كان الطبيب مُخيّرًا بين إجرائه و عدم إجرائه و إجراؤه أولى . و بهذا القول، قال الدكتور : محمّد نعيم عبد السلام إبراهيم ياسين، أستاذ بكلية الشريعة، قسم الفقه و التشريع، الجامعة الأردنية، عمّان، في بحثه : " رتق غشاء البكارة في ميزان المقاصد الشرعية "، المقدم في ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية، المنعقدة في الكويت، عام 1407 هـ - 1986 م، ثبت الندوة : 579 – 583، و استدل بالأوجه التالية : الوجه الأول : أنّ النصوص الشرعية دالة على مشروعية الستْر و ندبه : و رتق غشاء البكارة مُعِين على تحقيق ذلك في الأحوال التي حَكَمْنَا بجواز فعله فيها . الوجه الثاني : أنّ المرأة بَريئة من الفاحشة : فإذا أجَزْنَا له فِعل جراحة الرّتق قفلنا باب سُوء الظن فيها فيكون في ذلك دَفْعٌ للظّلْم عنْها . الوجه الثالث : أنّ رتق غشاء البكارة يُعِين على تحْقق المساواة بين الرّجل و المرأة : فكما أنّ الرّجل مَهْمَا فَعَلَ الفاحشة لا يترتّب على فِعله أي أثر مادّي في جسَده و لا يثور حوله أيّ شكّ، فكذلك ينْبغي أن تكون المرأة، و تحقيق العدل بينهما مَقْصَدٌ شرعي إلاّ في الأحوال المُستثناة بدليل شرعي، و ليست هذه الحالة منها . الوجه الرابع : أنّ رتق غشاء البكارة يوجب دفع الضرر عن أهل المرأة : فلو تُركت المرأة من غير رتق و اطّلع الزوج على ذلك لأضرّها، و أضرّ بأهلها، و إذا شاع الأمر بين الناس فإنّ تلك الأسرة قد يُمتنع من الزواج منهم، فلذلك يُشْرَعُ لهم دفع الضرر لأنّهم بريئون من سببه . الوجه الخامس : أنّ قيام الطبيب المُسْلم بإخفاء هذه القرينة الوهْمية في دلالتها على الفاحشة : له أثر تربوي عام في المجتمع، و خاصةً فيما يتعلق بنفسية الفتاة . الوجه السادس : أنّ مفسدة الغشّ في رتْق غشاء البكارة : ليست موجودة في الأحوال التي حَكمنا بجواز الرتق فيها . الترجيح : اختلف الفقهاء المعاصرين – كما رأينا - ين القولين، إلاّ أنّ الغلبة من حيث العدد و الدّليل و المنطق تميل إلى القول الثاني القاضي بجواز رتق غشاء البكارة في حالات مُحدّدة فقط، مع بعض التفصيل فيما بينهم . و هو الذي يترجّح في نظرنا، حيث أنّ الأصل : عدم جواز الرّتق مُطلقًا ( رأي القول الأول )، و الاستثناء : جواز الرّتق في حالات مُحدّدة فقط ( رأي القول الثاني ) . و تتلخص هذه الحالات في : الحادث : حيث قد تزول البكارة بالصدمة، أو السقوط من مكان مرتفع، أو حَمْلُ شيء ثقيل، أو إجراء جراحة طبيّة ... . الاغتصاب : الذي يقع على الفتاة بالقوة و التهديد، و لا حيلة لها في دفعه . الإكراه : حيث تكون الفتاة محل اعتداء يقع عليها و هي مخدرة، أو نائمة، أو و هي صغيرة يسهُل خداعُها . أمّا دون ذلك من الحالات كحالتي زوال غشاء البكارة بسبب سوء الأخلاق، أو بسبب زواج سابق، فلا يجوز الرتق مُطلقًا لما فيه من تدليس و غشّ و نحو ذلك ... . و هذا ما خَلُصَ إليه كذلك مجمّع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في قراره رقم : 173 ( 11 / 18 ) بشأن الجراحة التجميلية و أحكامها، عندما قال بشأن المسألة : 5- يجوز رتق غشاء البكارة الذي تمزّق بسبب حادث أو اغتصاب أو إكراه، و لا يجوز شرعًا رتق الغشاء المتمزّق بسبب الفاحشة، سدًا لذريعة الفساد و التدليس . و الأولى أن يتولّى ذلك الطبيبات( ) . هذا، و برجوعنا إلى أدلّة أنصار القول الأول الذين قالوا بعدم جواز الرّتق مُطلقًا، من بينهم الشيخ عز الدين الخطيب صاحب استدلال القول الأول السابق ذكره و الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي، نجد أنّ هذا الأخير قد استدلّ في ردّه على استدلال أصحاب القول الثاني في مرجعه السابق ذكره ( ص : 432، 433 و 434 )، بما يأتي : أولاً : لصحّة ما ذكره أصحاب القول الأول في استدلالهم . ثانيا : و أمّا استدلال أصحاب القول الثاني فيُجاب عنه بما يلي : الجواب عن الوجه الأول : أنّ الستر المطلوب هو الذي شَهِدت النّصوص باعتبار وسيلته، و رتق غشاء البكارة لم يتحقق فيه ذلك، بل الأصل حرمته لمكان كشف العورة، و فتح باب الفساد . الجواب عن الوجه الثاني : أّنّ قَفْل باب سوء الظن يُمكن تحقيقه عن طريق الإِخبار قبل الزّواج، فإن رَضِيَ الزوج بالمرأة، و إلاّ عوضها الله غيره . الجواب عن الوجه الثالث : أنّ التعْليل بمساواة المرأة على هذا الوجه فاسد، و التفاوت بين الرّجل و المرأة في إخفاء الجريمة على الوجه المذكور فِطرة إلهيّة، فيكون التعْليل بالمساواة على هذا الوجه فيه تُهمة بعدم العدل بين الجنسين . و الفِطرة المُوجبة للاختلاف سويّة مُعتدلة، لقوله تعالى في سورة الرّوم الآية 29 : ﴿ فِطْرَتَ اللهِ التِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ﴾ . الجواب عن الوجه ا

الكلمات المفتاحية

الجراحة التجميلية، الجراح، الزبون، المريض، القانون، الشريعة.