مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية
Volume 9, Numéro 2, Pages 303-320
2016-12-31
الكاتب : سليماني عواطف .
في إطار تطبيق النظريات اللسانية المعاصرة علي اللغة العربية، ذلك لقناعة راسخة لدي بإمكانية تناول الخطاب العربي القديم منه والحديث، من خلال تصور ابستيمولوجي ثري بأفكار ومبِادئ وتطورات، قد يراها البعض مخالفة للطرح العربي، لكنها في حقيقة الأمر شئنا أم أبينا هي امتداد لسلسلة المعرفة البشرية، فلا قطيعة في مجال استمرارية العلوم والفلسفات، لأن مجال المعرفة يؤكد أن النظرية اللسانية الحديثة ما هي ألا تطورا لمباحث ودراسات سنتها الأمم القديمة عند الغرب كما تطورت النظرية المعرفية العربية علي يد علماء اللغة والأصول وتحديدا في مجال التفسير، التي لو أتيح لها الإطار المنهجي والنظري لبسطها لكانت اسبق في مجال التحليل التداولي عن تلك التي تنسب اليوم إلي الغرب. وباعتبار مدونة"البيان والتبيين"نصا تراثيا تنجذب إليه جهود الكثيرين من الدارسين مثله مثل كل النصوص التراثية، التي يتشرف دارسوها بكفاءتها المعرفية، فإن هؤلاء الدارسون وعلى اختلاف مناهجهم وفلسفاتهم، يجمعون في البحث والدرس بين آليات الطرح الجديد، وكذا القديم، لما تحمله هذه النصوص من خصائص لغوية ودلالية، تجد فيها كل المناهج والدراسات الحديثة ضالتها وبخاصة المنهج التداولي، الذي تعددت مدارسه وطرق اشتغاله اللساني، والفلسفي والتواصلي. حتى أصبحت التداولية درسا غزيرا لا حدود له، ليطلق عليها البعض صفة "العبر تخصصية"، لتداخلها مع عدة اختصاصات وعلوم، الأمر الذي سبب إشكالا في ضبط مفهومها بدقة. ومع هذا فإن المهم في التحليل التداولي هو الخطاب ومنتجه، وعلاقته بالخطاب والسياق الذي ورد فيه، لأن المقاربة بين مفهوم التواصل والتداولية يفضي إلى أن موضوعها هو الإنسان في حد ذاته، وهو يباشر أدواره الاجتماعية التي تنعكس في العديد من السياقات، والتي تطبع الخطاب الذي ينتجه، والمقاربة التداولية" اقتراب له جانب الخطوة الأولي الابتعاد.وهي سياقية، لأن مفهوم السياق هو أحسن ما يسم هذه الطوبيقا". فيصبح مجال المقاربة فيما وراء البنية المغلقة للنص بالمفهوم البنيوي إلى الإشارة إلى البنية المنفتحة على سياقات خارجية في علاقة متفاعلة ومستمرة، ولعل مدونة"البيان والتبيين"أوضح نموذج يزخر بأنماط نصية كثيرة لا تختلف على مستوي الجنس فقط من شعر ونثر، بل حتى على مستوي معمارية وتجنيس النص الواحد، ومستوي البناء الفني كذلك كالرسالة، الخطابة، النادرة، الحديث، وبخاصة إذا تعلق بمنطق البعد الحجاجي التداولي لهذه النصوص، الذي أردت تلخيصه في مبدأ "الإقناع" الذي يتعدد ويتشعب في إطار وصف الخطاب الحجاجي التداولي، حتى تطفو إلى السطح مفردات قد تمخضت عنه مثل:الحجاج، الحجة، الدليل، البرهان، لأن التداولية تركز على العلاقات الترابطية بين أجزاء النص أو الخطاب، والأدوات اللسانية المحققة له، لتمنح الخطاب بعدا اقناعيا في التواصل اللغوي، عن طريق الأفعال الكلامية وأغراضها السياقية، خاصة وأن مدونة"البيان والتبيين" وكذا جل النصوص التراثية تتوفر على مستويات مقامية وتشخيصية، تحتوي على مساحة واسعة من الطبقات الكلامية (أفعال الكلام) ليبقي"البيان والتبيين"من أكثر المدونات التي مدار انشغالها"الإفهام والتفهيم"، عن طريق أوجه الحجاج وغاية الإقناع، بإيراد الحجج والأدلة في إستراتيجية لغوية خطية قصدت البعد التداولي خاصية دراسية لها، مما جعلها محط اهتمام لدي، ولأن التداولية ليست منهجا ولا نظرية قارة بذاتها، فان الأبحاث في هذا المجال لم تصل إلى درجة بناء نمط إجرائي ونظري متكامل ومنسجم، بل هي آلية تجمع بين المنهج البنائي الوصفي والمنهج التفسيري، كونها تحتاج إلى تفسير الظواهر الثقافية أكثر من وصفها، كما أن الوصف يعزل الأثر الأدبي عن المجتمع وصيرورته، أي إن العملية الإبداعية اللغوية لا تتحقق إلا بين باث ومتلقي، وحتى أتبين ملامح ذلك، لابد من الوقوف عند الكلمات المفاتيح لهذه الدراسة وهي: الإستراتيجية، الإقناع، البيان والتبيين.
البيان والتبيين، النظريات اللسانية المعاصرة، الإستراتيجية، الإقناع، البيان والتبيين
أورابح أمال
.
ص 325-350.