مجلة أنسنة للبحوث و الدراسات
Volume 9, Numéro 1, Pages 374-407
2018-08-17
الكاتب : Bouzerzour Sara .
يُعرّف مصطلح "المثاقفة" في حقلي علم الإجتماع والأنثروبولوجيا الثّقافية بأنّه دراسة التطوّرات النّاتجة عن ٱتّصال ثقافتين تَتأثّر وتُؤثِّر إحداهما في الأخرى. وقد أصبحت المثاقفة مع الآخر أمرًا حتميًّا تفرضه طبيعة الحياة الحاضرة السّائرة نحو التّحاور والتّقارب بين الشّعوب والحضارات، ووسيلتها في ذلك التّرجمة. وتتمثّل شروط المثاقفة في الإعتراف بواقع التنوّع الثقافيّ وبالخصوصيّات الثقافيّة وبالعلاقة العضويّة والحميمة بين الثّقافة والمجتمع، والمشاركة الطّوعية والتّفاعل السلميّ، وتسليم كلّ طرف من أطراف الحوار بأنّه لا يمتلك الحقيقة المطلقة، والإيمان بأنّ المعرفة نسبيّة لا تكتمل إلّا بالتّفاعل مع الآخرين، وأنّ وعي الآخر شرط أساس للوجود في العالم، ووعي الذّات شرط أساس لإنتاج الهويّة وعليه لا بدّ من خطاب منتج يستثمر صراعاته المعرفيّة ويجتاز عزلته ويشكّل تفوّقه بين المتفوّقين، بالإضافة إلى القدرة على النّقد الذّاتي وتعرية كلّ ما يعوّق الحوار أو يحول دونه، سواء على المستوى الدّاخلي أو المستوى الخارجي. أمّا مجالات المثاقفة فتتمثّل في مجال الأفكار والتّصورات وما يجري فيه من تبادل للعلوم والمعارف، ومجال التّواصل اللّغوي، ومجال الإبداع في الفنون والمهارات والخبرات، ومجال التّقاليد والعادات والأخلاق والسلوكيّات. في حين أنّ الأبعاد الّتي تحكم المثاقفة أربعة، وهي: الوعي بالهويّة الثقافيّة (الذّاتية) والإطمئنان إليها، والإعتراف بهويّة الآخر المستقِلّة، ووضع ثقافة في مواجهة ثقافة، أو جملة من التصوّرات والمعتقدات والرّؤى في حوار مع تصوّرات ورؤى مغايرة، دون تَوَسُّل عناصر خارجة عن الثّقافة، ودون ٱلتماس أدوات غير ثقافيّة تَنصر ثقافة وتُحطّم أخرى، والسّماح للهويّة أن تحاور "الآخر" بٱستقلال كبير واثقة بذاتها، دون أن تُزوّر ما تقرأ أو تُزوّر ذاتها، ودون أن تقع بما سيدعى، لاحقًا، بـ"التبعيّة الثقافيّة". لذلك تكمن أهميّة المثاقفة الحقيقيّة في أنّها طرحٌ لرؤيتنا على الآخر، وطرح رؤية هذا الآخر علينا، فالمثاقفة هي تفاعل بين الذّات والآخر من أجل صياغة جديدة، تعكس رؤية تطوريّة وحضاريّة للعالم، حيث إنّها تختزل واقع تعايش ثقافات مختلفة وتلاقحها، تقوم على أساس من الشّراكة الضمنيّة بين (الأنا) و(الآخر) بغية إنتاج معرفة موضعيّة، تهدف إلى الإرتقاء بالإنسان وشروط حياته. والتّرجمة تُعتبر إحدى أهمّ وسائل المثاقفة لأنّها لا تقتصر على كونها عمليّة تُقرّب اللّغات فحسب، بل هي كذلك فعل ثقافيّ متطوّر ينتج عنه فعل مثاقفة طويلة الأمد على صعيد الأفراد والجماعات، ويظلّ هذا الفعل الثّقافيّ يوسّع دائرة المثاقفة في بيئته، حيث إنّ غايته من وراء ذلك ٱستيعاب أكبر قدر ممكن من المعارف الإنـسانيّة، وٱكتساب خبرات الآخرين وجعلها سلاحا له في التطوّر والإرتقاء والمنافسة ثمّ العطاء الحضاريّ الثريّ، كما أنّ التّرجمة هي المفتاح الّذي تتفادى به الأمم الإنغلاق الفكريّ من جهة، وتتخلّص من خلاله من التبعيّة المطلقة المفضِية إلى الذّوبان في الآخر من جهة أخرى. وللحصول على ترجمة ناجحة حقّا تُحقّق فعل مثاقفة، فإنّ الإزدواجيّة الثقافيّة أكثر أهميّة من الإزدواجيّة اللغويّة؛ فالتّرجمة ليست مجرّد فعل لسانيّ، بل هي فعل ثقافيّ أيضا، أي فعل تواصل بين الثّقافات. ودائما ما تنطوي التّرجمة على كلّ من اللّغة والثّقافة، ببساطة لأنّ كلتيهما لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض، فاللّغة جزء لا يتجزّأ من الثّقافة فهي تعبّر عن الواقع الثقافيّ وتشكّله على حدّ سواء، كما أنّ دلالات العناصر اللّسانية سواء كانت كلمات أو مقاطع أكبر من النصّ لا يمكن أن تُفهم إلّا ضمن السّياق الثّقافي الّذي وُظّفت فيه.
التّرجمة - المثاقفة – التنوّع الثّقافي – التّلاقح الثّقافي – حوار الحضارات – الإزدواجيّة الثّقافيّة – اللّغة والثّقافة.