مجلة الدراسات الحقوقية
Volume 4, Numéro 2, Pages 9-34
2017-06-30

المسؤولية القانونية عن استخدام الطاقة النووية في الفضاء الخارجي

الكاتب : عمر معمر خرشي .

الملخص

إن القواعد القانونية التي سنها الإنسان تتعلق بالأنشطة التي زاولها في الأرض، لهذا فإن القانون البري هو الذي يحكمها. كما أن عبور الإنسان الأنهار وتتبع سيلها فرض عليه إتباع الشروط التي تجيز له ذلك، لأنه لم يضع في الحسبان أنه سيفارق المجال الذي يعيش فيه، مما جعله في غنى عن البحث أو إيجاد قواعد قانونية خاصة بما يقوم به. ونفس الشيء ينطبق على التنقل عبر الأنهار لأنها تخضع لنفس القواعد التي يخضع لها النقل البري. و على العكس من ذلك، عندما أراد الإنسان اقتحام البحر ومخاطره، أحس بضرورة إيجاد قواعد وأجهزة خاصة تتناسب مع البيئة البحرية التي تتم فيه مزاولة هذا النشاط الجديد. فالقانون البحري يتكون من مجموعة قواعد تنظم مختلف الأنشطة البحرية، وهو الأمر نفسه بالنسبة للقانون الجوي، الذي يجمع الأصناف الموجهة إلى تنظيم الأنشطة الجوية. وهذا الأمر ينطبق بشكل كبير على قانون الفضاء. فعندما غامر الإنسان في هذا المجال الجديد و المكون من الفضاء الخارجي و الأجرام السماوية، كان عليه إيجاد قواعد قانونية جديدة تتناسب و الظروف أو الشروط الطبيعية، أين سيتم مزاولة هذا النشاط الجديد، وهو ما عبر عنه البروفيسور Ambrosini الذي كان يمثل إيطاليا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12/11/1958 على أنه '' أي نشاط إنساني يجلب فائدة و الذي بدوره يقحم الآخرين فيه، وجب تنظيمه بقواعد قانونية تتناسب و المنطق الذي يسير عليه، تفاديا للخلافات و الفوضى.'' كما أضاف الفقيه الروسي M.C Marcoffe بأن '' نشأة قواعد قانونية خاصة تتماشى مع أنشطة إنسانية خاصة'. إن التطور و التقدم التكنولوجي أسفر عن ظهور مفاهيم قانونية جديدة، ولعل أهم هذه المفاهيم هو موضوع المسؤولية الدولية في هذا العصر. باعتبار أن المفهوم التقليدي للمسؤولية لم يعد قادرا على التلاؤم مع الآثار و الأضرار التي تسببها الثورة العلمية الحديثة، ففي عصر يسود فيه غزو الفضاء و التفجيرات النووية، تضاعفت أهمية المسؤولية نظرا للأضرار الجسيمة التي تجاوزت حدود الدولة التي تستخدمها، بحيث صارت هذه الأضرار خطيرة وشاملة. إن الآثار القانونية المترتبة عن الأنشطة الفضائية و الممارسة من قبل الأشخاص والحكومات والمنظمات الدولية، وكذا الأثر القانوني المترتب عن الأضرار أو الإصابات التي قد تحدث أثناء القيام بأنشطة مماثلة، نوقشت من طرف المحامين، و الدبلوماسيين والمعلقين. بالنظر إلى إمكانية حدوث الضرر على سطح الكرة الأرضية - على الأرض أو في الهواء – أو في الفضاء الخارجي. كما أن هذه الأضرار أو الإصابات يمكن أن تنجم عن حوادث وأخطاء، قد تكون عمدية أو عرضية. وحتى قبل أن تطلق إلى الفضاء أول مركبة من دون طيار في عام 1957، كانت قد أقيمت عدة دراسات قيمة لمحاولة وضع قواعد وإجراءات لموضوع المسؤولية في حالة حدوث أضرار أو إصابات ناتجة عن عمليات إطلاق الأجسام الفضائية. والقاضي الألماني فلاديمير ماندل، كان قد اقترح سنة 1932، أن مالكي ومشغلي الأجسام الفضائية مسؤولين وملزمين بلا حدود فيما يتعلق بجميع الإصابات الشخصية و الإضرار بالممتلكات الناجمة عن مثل هذه العمليات . إن إرسال أول قمر صناعي في المدار الفضائي- سبوتنيك 1 السوفيتي- أعطى دليلا على أن ثقل الأجزاء المكونة للجهاز المطلق في الفضاء الخارجي، لن تتفكك كلية عند عودتها إلى الأرض، مما يزيد احتمال حدوث أضرار على سطح الأرض، الأمر الذي جعل مشكل المسؤولية عن الأنشطة الفضائية بدأ يلقى اعتبارات جدية من جانب المحامين، الكتاب، والدبلوماسيين في جميع أنحاء العالم. فالحقيقة هي أنه كون مركبة فضائية تزن آلاف الكيلوغرامات وتنقل كميات كبيرة من المحروقات تعرف على أنها الأكثر تقلبا عند مغادرة الأرض، وسلوك المركبة يعتمد اعتمادا كليا على نظام معقد من آلاف الأجزاء، صممت وأنجزت على وجه الدقة، حيث تجعلها تسيطر على كل من الجهاز نفسه وعلى الأجهزة المتمركزة في الأرض، حيث أن أصغر خطأ في حساب هذه الخطة، أو في الصنع أو في وظيفة جزء واحد منها يؤدي إلى كارثة. وإذا حدثت مثل هذه الكوارث ، فما هو أساس المسؤولية الذي يمكن المتضررون من المطالبة بالتعويض؟ . وأمام هذا الوضع وبغية معرفة مدى تطابق المسؤولية الدولية التي تطرح على مستوى القانون الدولي العام مع المسؤولية الدولية عن الأنشطة الفضائية باعتبار الفضاء الخارجي يعتبر من المشاعات العالمية، إذ أنه لا يخضع لسلطة أية دولة وهو مفتوح لجميع الدول و المنظمات الدولية من أجل الاستخدام السلمي مما قد يطرح قضية طبيعة المسؤولية التي تتحملها الدولة أو المنظمة الدولية في حالة حدوث أضرار من جراء تلك النشاطات و أساسها وحدودها؟

الكلمات المفتاحية

المسؤولية,الطاقة, النووية، الفضاء.