دراسات
Volume 3, Numéro 1, Pages 191-202
2014-06-15

الإبداع العمراني في مدن الصحراء قراءات أدبية وغرافيكية

الكاتب : بن حموش مصطفى .

الملخص

مدن الصحراء هي آية الإبداع. فسكانها قد استطاعوا أن يواجهوا العوامل الصعبة وأن ينشؤوا بيئة حضرية وسط الندرة والعدم. وقد كانت تلك المدن بمثابة عُقد داخل شبكة المسالك التي تغطي المساحات الخالية والفلوات الشاسعة وتسمح بالتواصل بين مجتمعاتها وقطع مسافاتها الطويلة والاستراحة فيها. عمارة الأرض في الصحراء هي كذلك عين الاستخلاف التي كلّف الله بها الإنسان على وجه الأرض. وقد تجسدت فقهيا في مبدأ إحياء الأرض الموات بالبناء والزراعة وتوفير أسباب الإقامة فيها. ولم تتوقف حركة الإحياء بإنشاء المدن، بل كانت عملية مستمرة تغذي تنميتها الذاتية. إلى أن تصل إلى درجة الإشباع حيث تختفي كل الفضاءات العاطلة داخلها، فلا يبقى فيها موضع إلا وقد مسّه التعمير والبناء. ووكلت له وظيفة أو نشاط معين. و إذا كان من سنن العمران البشري الإقامة بقرب الماء فقد أبدع سكان الصحراء في البحث عن هذه المادة حتى في جوف الأرض وإيصالها إلى مكان إقامتهم. فقد نشأ نظام الفقّارات كآية في الهندسة تسمح بنقل هذا السائل الثمين من الأماكن البعيدة من تحت وجه الأرض إلى داخل تلك المدن. من ينظر إلى تلك المدن من فوق يجد بيوتها متراصة ومتداخلة مثل خلايا النحل. إنها بذلك توفر أكبر مساحة من الظل داخلها. فالبيوت يحمي بعضها بعضا والبناء يقلل نسبة الفراغات المعرضة للشمس.في الشوارع والأماكن العامة. الإبداع العمراني في مدن الصحراء، قراءات أدبية وغرافيكية 192 كما لجأ إنسان الصحراء إلى استعمال مواد البناء المتوفرة في عين المكان. فالطين والحجر التي تتشكل منها الجدران السميكة كانت تساعد على حفظ التوازن المناخي وتأخير التسرب الحراري نحو الداخل. وكانت السراديب توفّر البرودة في النهار بفضل كتلة التراب التي تحيط بها وتحتفظ بها إلى أن تغيب الشمس، فيما كانت السطوح تتحول إلى مكان للسمر وقضاء الليل إلى أن يبزغ الفجر. وإذا كانت هندسة المدن الصحراوية في غالبها عضوية ومنحنية، فهي ليست وليدة عمل عفوي بل هي نتيجة تراكم البناءات عبر السنين والقرون من الأعمال الفردية المتعاقبة التي تدفعها الحاجة اليومية والعيش البسيط.

الكلمات المفتاحية

الإبداع العمراني في مدن الصحراء قراءات أدبية وغرافيكية