الحوار الثقافي
Volume 2, Numéro 2, Pages 57-61
2013-09-21
الكاتب : سامي غابري .
تتعدّد المداخل بخصوص مُعالجة مكانة الآخر من وجهة نظر إتيقيّة، واحد من تلك المداخل ينبني على فرضية إمكان التّعاطي مع مُشكل الآخر أو الغير من خلال ما يفصل بينه وبين الأنا أو الذّات من مسافة،(2) وبالمثل تتعيّن إحداثيات المقصد الإتيقي عبر ما يظهر من فرق بينه وبين المعيار الأخلاقي. تكتسب هذه الفرضية وجاهتها لما تكشف عنه من أوجه للعلاقة بين مفاهيم يحكمها التّباين والتّعارض تارة، وتحتكم للتّضمّن والتّقاطع والاشتراط طورا. هذا وتتحدّد دلالات المفاهيم بحسب اقتضاء سياقيّ ينتهي بتأكيد أو ترجيح معنى معيّن لهذا المفهوم أو ذاك، واحد من السّياقات المُغرية بالتّعرّف على الصّورة الإتيقيّة لما عليه الآخر هو السّياق الرّيكوري الذّي جعل من المبحث الإتيقي ما يُشبه التّتويج لمسيرة فلسفية حافلة عبّر عنها مؤلَف 1990 عين الذّات غيرا.(3) لا يدلّ علم الاشتقاق على فرق بين الإتيقا والأخلاق بسبب التّرادف بين الإيتوس الإغريقي والمورس اللاّتيني، ومع ذلك يظلّ التّفكير في الاختلاف بين الحدّين قائما، حيث من المُمكن تأكيد الطّابع النّظري للإتيقا، في المُقابل تتّخذ الأخلاق بُعدا عمليّا هاجسه تحقيق مبادئ الإتيقا. لكن هناك مجال للاعتراض على هذا التّحديد لجهة ما يبرز من انقلابات في الدّلالة تنتهي بتأكيد صوريّة الواجب الأخلاقي لتتعيّن الإتيقا في مجال المُمارسة، «فالإتيقا تبحث اليوم عن التمركز في صلب الممارسات الجزئيّة وفي صلب العلوم والتقنيات والإجراءات الحقوقيّة فضلا عن بحثها عن تصوّر متماسك وشخصيّ لما يمكن أن تكون عليه الحياة الفرديّة بينما تحيل الأخلاق إلى المجرد والقبلي والمتعالي».(4) يعمل بول ريكور على الاستفادة من هذا الفرق الذّي سيتعمّق مع كتاب عين الذّات غيرا في إطار المُناظرة الأرسطيّة الكانطيّة المُعبّرة عن مأساوية فعل ظلّ يُراوح بين أخلاق الواجب المغرقة في صوريّة الأوامر والنواهي وإتيقا الحياة الجيّدة المثقلة بالتفاصيل والجزئيّات. أن تُمثّل الحياة الجيّدة ومعيّة الآخر والمؤسّسات العادلة ثالوث الإتيقا بحسب بول ريكور فذلك ما يكشف عن الموقع المفصلي للآخر بتوسّطه بين المكوّن الأوّل والمكوّن الثّالث، فالحياة الجيّدة هي حياة المُشاركة والإسهام الجماعي في بناء عالم بيْذاتيّ، كما يفترض في مفهوم العدالة وجود بنية اجتماعيّة تُنظّم في إطارها المؤسّسات علاقة الأنا بالآخر. على هذا الأساس يتحدّد الآخر باعتباره مركز القول الإتيقي، فلا مجال للانعزال والتّوحّد ولا معنى لمزاعم الاكتفاء والامتلاء والاستقلاليّة التّامّة لذات تدّعي الرّفعة والكمال ويتحوّل لديها الشّعور بالأنا إلى ضرب من الأنانيّة والانغلاق. إنّ مفاهيم التّقدير والرّعاية والانفتاح والصّداقة والحبّ والاحترام هي التّي تُبين عن «صورة الآخر في إتيقا بول ريكور»، وهي بالمثل ما يُعطي القول الرّيكوري معناه حين يُعلن «مع الآخر ومن أجله».
صورة الآخر إتيقا بول ريكور
بوعزة معمر
.
ص 810-822.
سايب رندة
.
شراد فوزية
.
ص 1002-1028.