التراث
Volume 4, Numéro 3, Pages 60-70
2014-03-15
الكاتب : إسماعيل قوراري .
الحمد ﻟﻠﻪ الكبير المتعال الذي له مقاليد الأمور كلّها في الحال والمآل, وأشهد أن لا إله إلاّ لله العدل في أحكامه وعد كلّ من عمل صالحا بجزاء الحسنى, وأوعد كلّ من تمادى في فعل السيئات بسوء العقبى. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, بشّر المؤمنين ببلوغ أسمى الغايات وحذّر المفسدين من سوء العواقب والمآلات, فاللهمّ صلّ عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, وعلى أتباعه الغرّ الميامين. أمّا بعد: لقد تقرر عند أهل العلم أن الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل, أو بعبارة أخرى أن الشريعة جاءت لجلب المصالح ودرء المفاسد ورفع الحرج, وأن تنزيل الأحكام على الوقائع والأحداث يتطلّب عملا اجتهاديا يقوم على منهجين متكاملين: منهج الفهم, ومنهج التطبيق, والذي يمعن النظر جيّدا في اعتبار المآل في فهم النصوص الشرعية وتفسيرها يجده مرتبطا ارتباطا وثيقا بالحكم الشرعي, لأن الحكم الشرعي ينظر إليه من جهتين: من جهة مصادره ومنابعه التي منها يستقى, ومن جهة موارده وحاله التي عليها يقع, وهذه الجهة الثانية هي اعتبار المآل ذاته. وإذا نحن أدركنا أهمية اعتبار المآل في تفسير النصوص الشرعية فإننا سنلحظ العلاقة الوطيدة التي تجمعه بفقه التنزيل, فإذا ما طبّق الحكم الشرعي دون مراعاة مآله أفضى بذلك إلى ما يناقض مقصده الشرعي, ولهذا راعى المالكية هذا الأصل في تفسيرهم النصوص, ولم يقفوا على ظواهرها, بل اعتبر بعضهم الأخذ بظواهر النصوص وعدم الالتفات إلى المعاني ضلالا في الدين وجهلا بمقاصد المسلمين, ومراعاة المآل في تفسير النصوص يفضي إلى الأمور التالية: - الابتعاد عن التطبيق الآلي المفضي إلى سوء النتائج والعواقب. - العصمة من الغلو في تطبيق القواعد والأقيسة العامة. - كما أنه المنقذ من السقوط في آفة التعسّف في استعمال الحق, ومناقضة مقصد الشارع في تنزيل الأحكام الشرعية على وقائعها. - وأنه الضابط الأساس في بناء الأحكام الشرعية وصياغتها لمعالجة الأحداث والوقائع المستجدة. - وأنه يشكّل الخطوة الأساسية في تطبيق الأحكام بعد الفهم, يقول أبو إسحق الشاطبي: فالمكلّف إذا أراد الدخول في عمل غير واجب فمن حقّه أن لا ينظر إلى سهولة الدخول فيه ابتداءحتى ينظر في مآله, وهل يقدر على الوفاء به طول عمره أم لا؟
التفسير، القرآن، المآل
دباغ رقية
.
لروي عائشة
.
ص 73-90.