مجلة الواحات للبحوث و الدراسات
Volume 8, Numéro 2, Pages 879-902
2015-12-15
الكاتب : يحيى بن محمد غُشِّي .
الحمد لله الذي خلق الكون بقدرته, وأودع فيه سرُّ حكمته, يخلق ما يشاء, ويفعل ما يريد, ثم الصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين, وبعد:فإن موضوع النبوة أو النبوات من أعظم أبواب العقيدة؛ إذْ الإيمان بأنبياء الله تعالى-عليهم الصلاة والسلام- أحد أركان الإيمان الستة, فلا يصح إيمان العبد حتى يؤمن بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, والقدر خيره وشره, والنبوّة-كما لا يخفى- هي الطريق لمعرفة محابّ الله تعالى ومساخطه, وأوامره ونواهيه, وما يقرّب إليه, وما يُبعد عن رحمته, فالإيمان بالنبوة هو الطريق الموصل إلى معرفة الله ومحبته, والمسلك المفضي إلى رضوان الله وجنته, والسبيل المؤدي إلى النجاة من عذاب الله والفوز بمغفرته. فالنبوة واسطة بين الخالق والمخلوق في تبليغ شرعه, وسفارة بين الملك وعبيده, ودعوة من الرحمن الرحيم لخلقه؛ ليخرجهم من الظلمات إلى النور, وينقلهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. وحاجة العباد إلى الإقرار بالنبوة, أشد من حاجتهم للهواء والطعام والشراب؛ قال شيخ الإسلام:"ودلائل النبوة من جنس دلائل الربوبية, فيها الظاهر والبّين لكل أحد؛ كالحوادث المشهودة, فإن الخلق كلهم محتاجون إلى الإقرار بالخالق والإقرار برسله". ودراسة دلائل النبوّة, واستظهارها مما يزيد المؤمن إيماناً, ولربما كانت سبباً لإسلام من يريد الله به خيراً, وهذا أمرٌ ملاحظ, فإن العبد المسلم إذا مرّت به في النصوص دلائل وآيات على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, فإن إيمانه يزيد ويقوى ويثبت وهذه الدلائل-ولا شك- أنها أكبر برهان على أن محمداً رسولٌ من عند الله؛ لأن الله لا يؤيد الكذب, فدلائل النبوة أكبر برهان على صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, مع ما أكرمه الله به من مكارم الأخلاق. ولعل أهم ما ينبغي التنويه به في هذا الملخص ما يلي: أولاً:أن المقصود بدلائل النبوة:"الأدلةوالعلاماتالمستلزمةلصدق الأنبياء ", وبعبارة أخرىيمكن أن نعرفها, فنقول:هي ما أكرم الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلممما يدل علىصدق نبوته, ويدخل في دلائل النبوة ما كان عليه من الأخلاق الحميدة, وما أوتيهمن جوامع الكلم, وشمول التشريع لدقائق الأمور, وأسرار التشريع, وأن التسمية الصحيحة والأثرية والمناسبة لها أن نقول: دلائل النبوة,أوأعلامالنبوة,أوآيات الأنبياء. ثانياً:أن دلائل النبوة أو معجزات الأنبياء بشتى أنواعها, هي من فعل الله تعالى, وليس للمخلوق قدرةٌ على إيجادها على الوجه الذي حصلت به, ويظهر هذا المعنى جلياً في معجزتي القرآن الكريم, وانشقاق القمر. ثالثاً: أن الله أجرى على أنبيائه-عليهم الصلاة والسلام- هذه الدلائل أو المعجزات؛ لأنها موضع الحجة والبرهان, فهي بمثابة الشهادة على الدعوى في مقام النبوة, ويكون الغرض منها-أيضاً- الإكرام. ثالثاً: أن هناك فوارق بين دلائل النبوة وغيرها من الخوارق,فدلائل النبوة تفوق كرامات الأولياء-مثلاً- في الكم والكيف والجنس والنوع, فالمعجزات التي قامت بها النبوة, لا شك أنها أعظم في مدركات العقل من الكرامات التي تتعلق بالولاية, وهذا ما يستلزمه مقام النبوة والأنبياء. رابعاً:أن أعظم دلالة أو معجزة على نبوة نبينا محمد, هي القرآن الكريم, وهو كلام الله , المنزل على محمد , المتعبد بتلاوته, الذي أعجز البشر أن يأتوا بمثله؛ بل ولا بسورة من مثله, فمعجزة الإسلام الأولى, قد جاءت مناسبة لدعوتها كل المناسبة, فهي المعجزة الأصيلة والفريدة في نوعها وفي ذاتها, بخلاف غيرها. خامساً:أن من الدلائل النبوية الحسية التي أبهرت الكفار, وعاندوا وكابروا فيها, هي معجزة انشقاق القمر فلقتين يرونهما رأي العين, وذلك حينما طلب الكفار من النبيصلى الله عليه وسلم أن يريهم القمر فلقتين, حتى يؤمنوا به وأنه نبي ورسول من عند الله, لكنهم قابلوا هذه الدلالة أو المعجزة بالإنكار والمعاندة -عياذاً بالله-. سادساً:أن أهل العلم - في القديم والحديث- قد ألّفوا في دلائل النبوة, وما يتصل بها الكتب الكثيرة العديدة, وهذا إن دلّ إنما يدل على أهميتها.
/