مجلة الخلدونية
Volume 6, Numéro 1, Pages 23-37
2013-09-01
الكاتب : عزالدين بويحياوي .
إن الحديث عن التعمير في شتىّ أنحاء العالم يكون دائما مرتبطا أولا بوجود شبكة من الطرق المستعملة من طرف الأهالي وثانيا باستحداث شبكة جديدة تفرضها الغاية المرجوة من ذلك، بمعنى أن الرومان في توسعاتهم وجدوا طرقا فسلكوها إلى أبعد نقطة ممكنة و حدّدوا عن طريق الليمس حدود مستعمراتهم. أمّا في بداية الفتوحات الاسلامية فقد أصبح هذا الحدث في حدّ ذاته وسيلة من وسائل التوسع العمراني التدريجي مما أدّى فيما بعد إلى تعمير المغرب الأوسط . وفي هذا المجال نجد أن المرحلة الأولى من الفتوحات اتخذت الطرق القديمة الموروثة عن العهد الروماني و قد يكون تطور وسائل النقل قد ساعد في إيجاد شبكة جديدة من المواصلات. وعلى ضوء هذا نلاحظ أن المسلمين عبروا المسلك المتجه من الشرق إلى الغرب بحيث كانت القيروان المنطلق الرئيسي لهم سواء في بداية محاولات فتح (شمال إفريقيا) في عهد أبي المهاجر دينار الذي وصل إلى بسكرة مرورا بطبنة وباغاية و بلزمة و قسنطينة ثم من بني بزاق، حيث مركز قيادته إلى تاهرت و تلمسان مرورا بأوربة وسطيف. كذلك الحال بالنسبة لمرحلة عقبة بن نافع الذي سلك الطريق المؤدية من القيروان إلى تاهرت مرورا بسبيبة ومرمجانة ومسكيانة وباغاية وطبنة والمسيلة ومنها إلى تاهرت القديمة ثم الوصول إلى تلمسان ليعبر بعد ذلك نحو طنجة في المغرب الأقصى إلى أن وصل إلى شواطئ المحيط الأطلسي. أما موسى بن نصير فيمكن أن يكون قد سلك نفس الطريق من القيروان إلى طنجة. أدّت معرفة تضاريس المغرب الأوسط و تطور العلاقات التجارية بعد ذلك إلى إيجاد مراكز عمرانية جديدة أحدثت في كل مرّة طرقا يمكن اعتبارها ثانوية ولكنها بالغة الأهمية حيث أنها سهلت عملية تنقل القوافل التجارية داخل المغرب الأوسط. من بين هذه المراكز نجد مدينة تاهرت الرستمية التي كانت فعلا ملتقى القوافل الآتية من شتى الأمصار و هي أيضا نقطة وصل ما بين المشرق والمغرب وما بينهما وبين بلاد السودان أيضا. ويرى عبد الفتاح وهيبة عن تأثير التضاريس ودور الممالك في انشاء المدن ما يلي: "تؤثر التضاريس تأثيرا قويا على اتجاهات المسالك والطرق، وحيثما تلتقي هذه الطرق والمسالك غالبا ما تقوم مدينة تتركز عندها حركة النقل والمواصلات وترتبط أهمية المدينة بنشاط هذه الحركة."
تأثير الطرق - مدن المغرب الأوسط
خليفة عبد القادر
.
ص 24-46.