مجلة الحكمة للدراسات الفلسفية
Volume 1, Numéro 1, Pages 49-63
2013-01-01
الكاتب : عبد القادر شارفي .
إن ظاهرة التصوف في عمومها ملازمة للشعور الديني المنبثق عن ظاهرة الدين الذي لم تخل منه حضارة من الحضارات الإنسانية، إذ "بات في حكم المقرّر أن الدين قد لازم نشأة الحضارة، وبدا على أنه خصلة من الخصال التي تميز الفكر الإنساني، حتى أن من العسير على ما يبدو، أن نفترض وجود مجتمع غابر خلو من التدين، إلاّ إذا اعتبرناه متسمًا ـ وأعضاءهـ بالبلاهة أو العجز" . فالتدين شعور أصيل في الحياة الإنسانية حتى وإن اتخذ أشكالاً وصورًا مختلفة من بيئة لأخرى أو من زمن لآخر، وقوام هذا الشعور أن هناك كائنا أسمى من الإنسان، وقد كان إدراكه بالصورة التجريدية، سواء كما عبر عنه التفكير الفلسفي، أو كما عبرت عنه الديانات التوحيدية الكبرى، مرتبطا بدرجة نمو الفكر الإنساني. والتلازم بين التصوف والدين، يبرز من خلال طبيعة وهدف كليهما، فكما أن الشعور الديني هو في حقيقة أمره علاقة بين الإنسان والمطلق المقدس، كذلك التصوف نجده ينحلّ إلى علاقة بين المتصوّف والمتعالي وهي علاقة تمتاز بكونها عميقة وشديدة بحيث يطغى المتعالي على شعور المتصوّف إلى درجة أنه لا يرى في الوجود إلاّ إيّاه. ومن شأن ذلك الشعور أن يتحوّل إلى اشتياق دائم للمتعالي تستحيل معه حياة المتصوّف إلى جهاد دائم ضد كل ما يحول بينه وبين التقرب إلى الله بل والاتحاد به. تلك خاصية التجربة الصوفية كما نجدها عند مختلف المتصوّفين رغم اختلاف دياناتهم وثقافاتهم التي تؤوّل في إطارها تجاربهم الصوفية. إلاّ أن المشترك بينهم هو المتعالي أو المفارق وإن كان عند المتديّن الموحّد هو الله الواحد الأحد كما عبرت عنه نصوص الديانات التوحيدية. ذلك ما نجده في تجارب المتصوّفة البوذيين، والهندوس، والمسيحيين، والمسلمين، وغيرهم. وهو ما يشير إليه وليم جيمس في كتابه "صنوف من التجربة الدينية" حينما كتب يقول: "إن التّغلب على جميع الحواجز بين الفرد والمطلق هو الإنجاز الصوفي العظيم. ونحن نصبح في المقامات الصوفية واحدا مع المطلق، ونكون على وعي بهذه الواحدية. هذا هو التراث الدائم والظافر الذي يصعب أن تغيّره اختلافات الظروف والعقائد. فنحن نجد في الهندوسية، وفي الأفلاطونية الجديدة وفي التصوف الإسلامي، وفي التصوف المسيحي. نفس الملاحظة التي تتكرر باستمرار، حتى أنه ليوجد بالنسبة للأقوال الصوفية إجماع أزلي يجبرنا على الوقفة النقدية والتفكير" . وذلك ما اعتبر إجماعا على تشابه التجارب الصوفية " في جميع أنحاء العالم، وفي مختلف العصور والثقافات، وفي مختلف التداعيات الدينية. وقد أقام العديد من الكتاب حجتهم في موضوعية التجربة الصوفية على أساس هذا التشابه" . غير أن لكل تجربة صوفية خصوصيتها يحدّدها الإطار المرجعي الديني والثقافي الذي تنتمي إليه وتؤوّل تجربتها من خلاله، ولذلك لا توجد تجربة صوفية مجردة فكل حديث عن هذه التجربة لا يتم إلاّ من خلال هذه الديانة أو غيرها أو هذه الثقافة أو تلك. هذه الخصوصية لم تكن مانعا من تشابه هذه التجارب بين مختلف المتصوّفة والطرق التي ينتهجونها في سلوكهم الصوفي والنتائج التي ينتهون إليها، وهو الأمر الذي حدا بكثير من الباحثين في ميدان التصوّف خاصة ذوي الاتجاه التأريخي إلى الاستنتاج بأن التجارب الصوفية إنما ينسخ بعضها بعضا ذاهبين بذلك إلى المصدر الأول للتصوّف ليثبتوا بأن التجارب الصوفية التالية لذلك إنما تستعيد وتكرّر النموذج الأول، وهو ما نجد مثاله في الدراسات التي تناولت نشأة التصوّف الإسلامي إذ كثير منها يجتهد في إرجاع التجربة الصوفية الإسلامية إلى تجارب صوفية سابقة دخيلة على الفضاء الإسلامي ولا تمت إلى الإسلام كدين بصلة. ومن تلك الدراسات الحديثة في هذا الميدان دراسة الدكتور محمد عابد الجابري للعرفان في الثقافة العربية الإسلامية حيث يرجع التصوّف إلى الثقافة الهيلينستية وبالتحديد إلى التراث الهرمسي . غير أن هذا التشابه لا يدعو في الحقيقة إلى اعتبار أن هذه التجربة في هذا الدين أو ذاك إنما تكرّر نفسها وان كانت تقتبس من بعضها البعض، وإنما تؤكد أن كل دين إنما يحمل بذور التصوّف وقد تكون عقائده وتعاليمه تربة خصبة لنمو التصوّف وترعرعه كما هو الحال في المسيحية والإسلام ولا أدلّ على ذلك ما شهدته هاتين الديانتين من حركة تصوّفية كبيرة لا تزال آثارها ممتدة إلى يومنا هذا.
الصوفية المذاهب الطريقة الإسلام الفلسفة التأويل القراءة النص الديني الخطاب الديني
بوزكري نوال
.
قيطون قويدر
.
ص 531-546.
دبديبي عبد الحليم
.
ص 252-279.